هل فكّرت في أسباب الرُّهاب العلمي لدى البعض؟ بمجرّد ذكر العلوم، ترتعد الأذهان. كأنما ينظر المرء من السفح إلى قمّة إيفرست. لا تقل إنّ أمتنا للأسف من أشدّ الأمم تقصيراً في تبسيط العلوم ونشرها. لا مطبوعات علمية ولا برامج في الفضائيات. ما يقلّ عن الندرة لا يُحفظ ولا يقاس عليه.
في سالف الزمان كانت العلوم والمعارف كلها أسراراً يستأثر بها الكهّان. حتى حين تكون ساذجةً أو محشوةً بالخرافات. إلى يومنا ينخدع الكثيرون بترّهات المفترين على النجوم. الصوفيون في جميع المعتقدات، لعبوا دوراً في بهرجة الأسرار. أمّا اللغويون فقد قطعوا سبعة أبحر في أسرار اللسان والبلاغة. وإذا كان كل أولئك يقسّمون الناس إلى عامّة وخاصّة، فإن أبا منصور الثعالبي له كتاب عنوانه: «خاص الخاص».
موضوع تبسيط العلوم من أهمّ القضايا التنموية. في البلدان المتقدمة والناهضة، آلاف الكتب ومئات ألوف المقالات والبرامج، تصدر كل عام. اتساع مدارك الكبار ومعارفهم، ينعكس على الأسرة وصغارها، ويرفد التعليم. أكثرية المؤسسات الثقافية العربية، لا تزال الثقافة العلمية في جداول أعمالها، مجرّد كرزة على كعكة. خذ مثلاً، فيزياء الكمّ لا يخلو من تطبيقاتها بيت أو مؤسسة. مع هذا يتهيّبها الناس، يخشون الغلط إذا نطقوا بها، بينما هي في جوّالهم وحاسوبهم، في الغسّالة والثلاجة والسيارة والتلفاز.
ما تفتقر إليه المناهج ووسائط الإعلام، في تبسيط العلوم، هو المرح. مقولة: «علّمهم وهم يلعبون» لا تعني الأطفال فقط، فالتوعية العلمية تحتاج إلى الفن والذوق والجاذبية. الطبيعة مفعمة بالطرائف واللطائف. لا يوجد علم أبدع ظُرفاً من فيزياء الكوانتوم. أسلوب تبسيطها وإيصال أدبيّات علمها، أطرف حتى من «شرطي وحراميّة». كل المطلوب ألّا يكون مبسّطو العلوم كما قيل: «جبالك الرواسي ولا عبدك الثقيل». مبادئ فيزياء الكم سهلة التقريب إلى الأذهان، وبالأمثلة المألوفة لدينا.
مثلاً: «ازدواجية الموجة والجُسَيْم»، أي أن الإلكترون يتصرف كموجة، فإذا نظرتَ إليه صار جُسَيْماً. تخيّل ماءً منساباً أمامك، تنظر إليه فيصير كرة. في تراثنا العربي القديم ما يسمّى «أسماء الأضداد»، مثل: وراء تعني الأمام والخلف (وراءك سفر طويل أي أمامك). في الكوانتوم: صفر وواحد في آن. في الموسيقى: أصابع البيانو السوداء: دو مرفوعة هي نفسها ري مخفوضة. فا مرفوعة هي ذاتها صول مخفوضة. يقول البحتري: «روحي وروحك مضمومان في جسدٍ.. يا من رأى جسداً قد ضَمّ روحين»؟ هل انبسطتَ بهذا التبسيط؟.
لزوم ما يلزم: النتيجة التراثية: في ميراثنا، للكتب شروح وهوامش وحواشٍ ومتون، عندما وصلنا إلى تبسيط العلوم، جفّ ينبوع الإلهام.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







