العاصمة الألمانية برلين سوف تستضيف مؤتمراً وزارياً دولياً خلال يومي الثالث عشر والرابع عشر من مايو/ أيار الجاري يركز على مناقشة «مستقبل حفظ السلام وتمكين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال دعمها السياسي وإظهار هذا الدعم»، إضافة إلى أنه «سيوفر منصة للوفود للإعلان عن تعهدات كبيرة دعماً لسد فجوات القدرات وتكييف عمليات السلام للتصدي بشكل أفضل للتحديات القائمة والوقائع الجديدة».
يلاحظ هنا الحديث عن تحديات قائمة، وقدرات بها فجوات، ومن ثم الحاجة إلى تعهدات والتزامات جديدة. ومن بين ما سيتم مناقشته الدراسة التي أعدتها إدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة، التي قيمت عمليات حفظ السلام من حيث منجزاتها وتحدياتها، بما في ذلك تلك التي توجد على أرض الواقع، ومن ثم حددت عوامل النجاح، بعدما حللت القدرات الأساسية اللازمة لتحقيق ذلك.
من أبرز عوامل النجاح توفر الإرادة في مجلس الأمن، والتعاون والدعم من الحكومات المستضيفة، وظهور نتائج تشعر بها المجتمعات المستضيفة لتلك القوات، والدعم الإقليمي من الدول المجاورة، كما أنه من المهم تحقيق منجزات موضوعية، وموارد كافية، مع ضرورة أن تكون هناك واقعية بالنسبة للتوقعات المرجوة من عمليات حفظ السلام.
المبالغة في ما يمكن أن تقوم به قوات حفظ السلام قد تصيب بالإحباط، فعدم وجود موارد كافية سيجعلها غير قادرة على إنجاز ما هو مطلوب منها، وفي الوقت نفسه لا يمكن تكليفها بما يفوق طاقتها على الأرض، فهناك عوامل أخرى من قبيل التكيف مع متغيرات البيئات المعقدة التي تعمل فيها، وإضافة إلى كل ذلك المحاسبة على ما قد يحدث من تجاوزات.
يبقى السؤال: كيف يتم تطبيق هذه العوامل.. وهل تكفي مجرد المناشدات؟ يحتاج الأمر إلى التزامات، على أن يكون أول من يفي بها الدول الكبرى، وعلى رأسها تلك التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، التي عليها ينعقد أمر تشكيل القوات ابتداء، ومن ثم استمرار مهامها. وهنا تحضر القدرات الأساسية التي تحدثت عنها الدراسة المشار إليها، ومن بينها التخطيط الجيد، وتوفير الأفراد اللازمين للقيام بعمليات حفظ السلام، والقيادة، والقدرات الداعمة، وإدارة المعلومات والبيانات وتكاملها، والاتصالات الاستراتيجية، والاستعداد وقدرات الانتشار السريع، وضمان أمن قوات حفظ السلام ذاتها وسبل عيشها. كما هو معلوم فإن بعض عمليات حفظ السلام قد حدثت فيها خسائر بشرية في صفوف القوات.
مجلس الأمن الدولي كان قد ناقش في شهر مارس/ آذار الماضي «تعزيز القدرة على التكيف في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة» مركّزاً على «الاستجابة للحقائق الجديدة». وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش واضحاً في الدعوة إلى فعالية أكثر لعمليات السلام خاصة في ظل تزايد التحديات على الصعيد العالمي، وطالب المجلس بضرورة تجاوز الانقسامات بين أعضائه، خاصة الدائمين منهم، بحيث يكون هناك دعم سياسي قوي لعمليات حفظ السلام.
أسهمت عمليات حفظ السلام على مدار عقود في التعامل مع صراعات، ما عمل على حقن الدماء، وتبقى أداة مهمة من أدوات المحافظة على السلم والأمن الدوليين. وحتى يستمر الدور ويتحسن الأداء فإن الإرادة الموحدة والموارد الكافية مسألتان لا غنى عنهما.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







