مناورة «إخوان» السودان المفضوحة

00:22 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالمنعم سليمان*

ما الذي يحدث داخل سلطة بورتسودان؟ يتساءل المواطنون السودانيون والمراقبون للشأن السوداني على حدٍّ سواء. فبعد يومٍ واحد من رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدَّمة من هذه السلطة المرتبكة، التي تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين (الكيزان)، ضد دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، خرج علينا ما سُمّي ب«مجلس الأمن والدفاع»، الذي يهيمن عليه الكيزان، ببيانٍ يعلن فيه الإمارات «دولة عدوان»، ويقضي بقطع العلاقات الدبلوماسية معها. وقد نصّ البند الرابع من البيان بشكلٍ واضح على سحب «السفارة والقنصلية العامة».
ولكن (خارجية) سلطة بورتسودان عادت، بعد أيام قليلة من ذلك، لتُنبّه السودانيين المقيمين في الإمارات إلى أن القنصلية ستستمر في تقديم خدماتها لهم، ولن تُغلق أبوابها، رغم أنها ليست الجهة التي أصدرت القرار، وإن كان ذلك من صميم اختصاصها، الذي تغوّل عليه ما يُسمّى ب«مجلس الأمن والدفاع» الكيزاني!
أكثر من ذلك، فإن من يشغل منصب وزير المعادن داخل السلطة نفى، هو الآخر، خبراً كانت قد دسّته عليه المنصات الإعلامية التابعة ل«الكيزان»، يزعم أنه أصدر قراراً بإيقاف تصدير الذهب إلى الإمارات. وقد شدّد على أنه ليس الجهة المخوّلة بإصدار مثل هذه القرارات، وهذا صحيح.
وصحيح أيضاً أن «قطع العلاقات الدبلوماسية» مع أي دولة لا يصدر عن مجالس «الأمن والدفاع»، بل يندرج ضمن صلاحيات وزارة الخارجية. لذا، حين تراجعت سلطة بورتسودان عن قرار قطع العلاقات وسحب القنصلية، فإنها فعلت ذلك عبر وزارة الخارجية، وهو ما يكشف عن حالة من الارتباك، والتناقض، والضعف، والهوان داخل هذه السلطة، وتعدّد مصادر القرار فيها.
والأهم من ذلك، أنه يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك هيمنة «الكيزان» عليها، وأن يدهم هي العليا في توجيه القرارين السياسي والعسكري. وهذا ما يُثبت وجاهة الموقف الإماراتي، الذي جاء متّزناً، إذ رفض التعاطي مع قرار صادر عن سلطة غير شرعية لا تمثل الشعب السوداني، بل تُجسّد أحد أطراف الحرب، واعتبره محاولة مكشوفة للتهرب من جهود السلام، مؤكّداً أن السودان وشعبه الأبيّ في أمسّ الحاجة إلى قيادة مدنية مستقلة.
ولم تمضِ سوى بضعة أيام حتى اتضح جليّاً أن موقف الدبلوماسية الإماراتية كان صائباً وعقلانياً، وكأنها توقعت أن هذه السلطة المرتبكة، التي تتعدّد فيها مراكز اتخاذ القرار، ويشغل «الكيزان» الحيّز الأكبر فيها، يُهيمنون على مجريات الأمور داخلياً، ويؤثّرون في المشهد بشكل مريب، يهدف إلى إظهار السودان كدولة معادية ومخاصمة لمحيطها الإقليمي وللمجتمع الدولي، ستتراجع حالما يحلّ المساء عن قرارها الذي أصدرته في الصباح. وهذه هي عادة الإخوان منذ انقلابهم على الديمقراطية الثالثة في عام 1989، حيث يتسرّعون في اتخاذ قرارات متعجّلة، ثم يتراجعون عنها بسرعة عند أول اختبار للواقع، أو قل: أول امتحان حقيقي، إن شئت.
صراع الأجنحة بين حلفاء الحرب في بورتسودان بلغ ذروته، حتى بين الضبّاط الأربعة الكبار الذين قادوا البلاد إلى هذا الوضع المزري بانقلابهم على حكومة رئيس الوزراء الشرعي الدكتور عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. فالفريق أول عبدالفتاح البرهان ليس على وفاق مع نائبه الفريق أول شمس الدين الكباشي، والاثنان يتوجّسان من الإخواني الصريح الفريق إبراهيم جابر. أما رابعهم، الفريق أول ياسر العطا، فقد انتهت مهمّته في تصدير التفاهة، ومنها الإساءة - نيابة عن الإخوان - إلى دولة الإمارات الشقيقة، والتي انتهت بقرار قطع العلاقات، الذي يتجرّعون نتائجه الآن ذلّاً ومهانة، على النحو الذي نراه أمامنا!
كان حريّاً بسلطة انقلابية ضعيفة وشديدة الهشاشة، وعاجزة حتى عن مباشرة أعمالها من العاصمة الخرطوم، ومهدّدة بضربات مسيّرات قوات الدعم السريع في عقر عاصمتها البديلة (بورتسودان)، أن تقبل بالجلوس إلى مفاوضات تُوقف الحرب، وتمهّد الطريق لعودة النازحين واللاجئين، ثم العودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي الذي انقلبت عليه، تُشكّل فيه حكومة انتقالية مدنية بالكامل، تُشرف على إعادة الإعمار وتأسيس جيش وطني جديد بعقيدة خالصة، منزّهة عن الأيديولوجيا الدينية والسياسية، وتدعو إلى حوار وطني شامل، يستثني جماعة الإخوان المسلمين «الكيزان» وواجهاتها الانقلابية، المرفوضة من قبل الشعب السوداني، والإقليم، والعالم، والتي ثار عليها السودانيون بإجماعهم. كان حريّاً بها ذلك، لكنها تمادت في غيّها، وقرّرت الاستمرار في الحرب حتى إفناء الشعب السوداني عن بكرة أبيه، ثم قرّرت أيضاً معاداة غالبية دول الجوار والدول الشقيقة والصديقة، بل ومعاداة العالم بأسره، على نهج الجماعة ذاتها في سنوات حكمها الثلاثين العجاف.
إن هذا التراجع المرتبك يكشف بوضوح عن ضعف سلطة بورتسودان، وتناقض قراراتها، وتعدّد مرجعياتها، ويؤكّد ما هو معلوم ومؤكّد: أن جماعة الإخوان تختطف الجيش السوداني، وتمسك بمقاليد الأمور، وتعبث بمصير البلاد.
وفي المقابل، جاء الموقف الإماراتي عقلانياً ومبدئياً، منسجماً مع مصلحة الشعب السوداني، وداعماً لمسار السلام والاستقرار في السودان، من دون أن ينجرّ إلى عبث سلطة مؤقّتة لا تملك شرعية، ولا تمثّل إرادة شعبها، بل تُصرّ على الاستمرار في حربٍ لا طائل منها سوى الخراب.
وهو موقف يعكس الحاجة الملحّة إلى قيادة مدنية وطنية مستقلة، تقود السودان إلى بر الأمان، نحو السلام والاستقرار والازدهار.

* كاتب وصحفي سوداني. رئيس تحرير نشرة «المرصد السوداني للسلام».

عن الكاتب

كاتب وصحفي سوداني. رئيس تحرير نشرة «المرصد السوداني للسلام»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"