عبدالله السويجي
بعد كل حرب كونية أو إقليمية أو حتى أهلية يبرز مصطلح نزع السلاح كبند من بنود أي خطة سلام، وغالباً ما يكون هذا البند لخلق حالة من الاطمئنان بين الأطراف، أو لدى الطرف المنتصر، وأعتقد أن وضع هذا البند (نزع السلاح)، ما هو إلا شكل إجرائي أكثر منه عملية جوهرية، يرضي غرور بعض الأطراف. ففي خلال الحروب الكونية أو الإقليمية، تكون الدول قد وزّعت السلاح على شعوبها لتشكيل جبهة داخلية قد تساهم في المعركة إذا ما تخلخل ميزان القوى، أو إذا ما أرادت الدولة، في حال هزيمتها، تشكيل عصابات مسلحة لخوض حرب عصابات ضد الطرف الآخر. أما في الحروب الأهلية، فأحد أسباب نشوب تلك الحروب هو انتشار السلاح بين الجميع، لا سيّما المدنيين، إضافة إلى التجييش والحشد العقائدي أو الفكري ونشر الضغينة بين طبقات المجتمع وأطيافه.
فالحروب الأهلية غالباً ما تغذّت على الضغائن والأحقاد والتمييز ومصادرة الحقوق وغيرها من محاولات الاستئثار بالسلطة واحتكار تجارة ما أو سلطة ما، والحديث عن نزع السلاح في هذه الحالة هو ضرب من الخيال لأن السلاح موجود في كل بيت، ونزعه سيكون عملية معقّدة جداً، إضافة إلى وسائل الإخفاء والتمويه والتهريب. وفي كل الأحوال، في الحروب الكونية أو الإقليمية أو الأهلية، ستكون عملية نزح السلاح عملية صعبة للغاية قد تستغرق سنوات طويلة، إلاّ إذا سلّم الناس أو الأطراف أسلحتهم عن طيب خاطر.
هنالك سلاح غير البنادق والصواريخ والقذائف، ويشكّل خطراً أكبر من السلاح العادي. فكل الحروب قامت على سياسات تستند إلى قناعات وإيديولوجيات، وهذه الأخيرة إما أن تكون مدنية أو دينية، أي أنها تلتصق بوجدان الشعوب وقناعاتهم ومبادئهم، وهذا السلاح لا يمكن تسليمه ولا يمكن تخزينه في أي مكان، ومن الصعب مصادرته من الناس، فكيف يمكن نزع الإيمان بالطائفة والمذهب والعقيدة، إنها عملية أشبه بالمستحيلة، وإذا ما اتفقت الأطراف على نزعها فسيستغرق الأمر سنوات طويلة وربما أجيالاً، لأنها تتطلب تفصيل مناهج تعليمية جديدة يؤمن بها الناس، حيث لن يكونوا مطالبين بنزع عقائدهم وطوائفهم ومذاهبهم، بل سيخضعون لبرامج تعلي من ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترامه بل والدفاع عنه إذا لزم الأمر.
وهذه العملية تربوية فكرية فلسفية حياتية وجدانية إنسانية، ولن تتم بمجرد اتخاذ قرار أو وضع استراتيجيات. وأجزم أن العالم الذي لا يزال يشهد حروباً وقلاقل واضطرابات حدودية أو داخلية هو عالم لا تزال فيه بعض جاهلية حقوقية، ونسبة ثقافة التسامح فيه ضعيفة إلى درجة تهدّد الأمن والسلم الداخلي أو الإقليمي. والجميع يعلمون أن ثقافة التسامح ونشرها ليست عملية سهلة، وتتطلب استعداداً اجتماعياً وروحانياً، هي عملية مستمرة ودائمة، ويجب مواكبة الأجيال الصاعدة ووضعها ضمن المناهج التعليمية، إضافة إلى الثقافة الأسرية والمجتمعية.
لقد استغرقت المجتمعات المستقرة التي تؤمن بثقافة التسامح زمناً طويلاً تضمن نشر توعية بشأن الحقوق والواجبات وتطبيق القانون، ونعني بالحقوق شموليتها ومن بينها حق الاختلاف وحق الاختيار وعدم التدخل في شؤون الغير، ثم تمر الشعوب بممارسة تلك الحقوق لزمن طويل يصبح بعد ذلك أسلوب حياة للكبار والصغار، وهنا يسود الاطمئنان ويتم التأكد من نزع ذاك السلاح المتمثل بالسلاح الفكري، ويجب التوضيح هنا أن الإيمان بالإيديولوجيات والمذاهب سيستمر، ولكن بصيغة أخرى تؤكد عدم المصادرة ونبذ الكراهية وتأصيل ثقافة السلام والحوار، وهذا الأمر هو ما يشغل المنظمات الدولية التي تعمل من أجل السلام، أو تلك المعنية بتمكين الإنسان من فهم الحقوق والواجبات.
هنالك سلاح آخر لا يطالب القادة بسحبه هو السلاح الإلكتروني، وهو عبارة عن البرمجيات الخطرة التي تستطيع قرصنة أنظمة عسكرية متطورة، أو وزارات الدفاع، وهناك برامج لقرصنة محطات توليد الطاقة ومحطات تكرير المياه، ومحطات الكهرباء، وأولى تلك المحطات المفاعلات النووية، وكل مصنع يعمل بطريقة ذكية، يمكن قرصنة تلك المؤسسات والأنظمة وتعطيلها أو تدميرها، ولم نسمع بأحد، دولة كانت أو فرداً، يطالب بنزع هذه الأسلحة لصعوبة الفعل، فنزع هذه الأسلحة الإلكترونية يكاد يوازي نزع السلاح الإيديولوجي في صعوبته، لكنه بالتأكيد أسهل.
صحيح أن المؤتمرات الذكية تطالب بالتصدي للمقرصنين من خلال وضع برامج حماية قوية ووضع قوانين رادعة، لكن كل ذلك لا يكفي، لأن القرصنة غالباً ما لا تكون فردية، وإنما تتبنّاها الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، وبواسطتها تحدث عمليات الابتزاز، إذ إن هذه البرمجيات الخطرة تملكها دول متطورة ولديها مصالح كبيرة.
كنتيجة، من السهل نزع السلاح الفردي، المسدسات والبنادق والقذائف الصاروخية وغيرها، لكن من الصعب نزع السلاح الإيديولوجي، ويبقى السلاح الإلكتروني الذي يجب الاتفاق على نزعه، وهذا يتطلب اتفاقات ومعاهدات بين القوى المعنية ذات الأهداف الكبرى، أما المقرصنون الأفراد فيمكن التحكم بهم بسهولة، كما أعتقد. والأهم من كل ذلك نزع سلاح الحقد والكراهية والتمييز من النفس البشرية، وإذا ما نجح الإنسان في نزع ذلك السلاح، سيتم نزع الأسلحة الأخرى آلياً.