مهما تعددت أشكال الأنظمة الحاكمة أو المبادئ والنظريات السياسية التي تنتهجها، تبقى صناعة الأمل الغاية الأهم في أي بلد أو إقليم، وبالضرورة في العالم كله.
وبالإمكان تعداد وسائل لا حصر لها في الأداء السياسي، وعلاقة كل نظام بشعبه، وصور الممارسات المتعلقة بالحاضر والمستقبل، لكنها كلها تنتهي إلى غاية إشاعة الأمل الذي يطمئن الناس إلى واقعهم، ويجعلهم أكثر ثقة بغدهم وغد أبنائهم، فيزداد ارتباطهم بمن يقود، وبانتمائهم للوطن بلا طغيان للشعارات الجوفاء، والحماس الذي لا يدوم، بل ينقلب إلى لعنات عند أول لحظة تستدعي التكاتف ووحدة الصف الوطني.
إن التشبع بالأمل المؤيَّد بوقائع على الأرض، وإنجازات تتوالى، وجهد صادق في خدمة الوطن وأهله هو الذي يصنع المستقبل ويجمع أي شعب على تصور واحد له، بعد أن تتحقق الحاجات الفردية وينصرف الجميع إلى ما هو أهم من التفاصيل المعيشية اليومية.
وعلى كثرة النظريات والخبرات، يعزّ الأمل في عالمنا العربي، ويبدو ضيفاً لا يطيب لبعض الأنظمة مقامه، ويتخذه البعض الآخر مطيّة لاستلاب الثروات والبشر والمقامرة بها في بورصة السياسة.
كم من رهانات عربية خابت في أكثر من نصف قرن مضى، وكم من عروش بشّرت بنعيم لا ينقطع، وكم من صراعات خائبة بدّدت الجهود والثروات ودارت بعقارب الزمن إلى الوراء، وسمحت بتسلل أفكار شيطانية بداعي إصلاح ما فسد، ثم تبين أنها أكثر فساداً.
كل ذلك نرى تجلياته الآن في خريطة عربية معظم مكوناتها مفككة، وغالب أهلها فقدوا الأمل، فالكبير منها عاش دورات الإجهاز عليه طوال عقود، والشاب في كثير من البلدان لا يرى ملامحه، بل إنه أقرب في واقعه إلى اليأس بفعل نخب لا تنفطم عن الإفساد والفساد، وساسة تخشبوا وتوقف قاموسهم عند لغة تخاصم الحاضر والمستقبل، وجماعات متربصة لا تكف عن محاولات اختطاف الأرض ومن عليها.
إن هؤلاء الساسة والنخب الفاسدة والجماعات الشيطانية، كل فريق بمفرده، أو بتحالفات في بعض الأوقات، يجتهدون دوماً في مقاومة الأمل واستهداف مواطنه ورموزه وسد نوافذه، حتى لا يعري تجارتهم ويلقي بها إلى الكساد.
صعب أن تتمسك بالأمل في هذا المحيط المتشبث في معظمه باليأس والمتنفع من ديمومته، والأصعب أن تترجمه إلى واقع ينفع الناس في وطنك وخارجه، والأقسى أن تُضطر إلى الدفاع عنه في مواجهة النكران والتشويه وقلب الحقائق.
إن تجّار اليأس يؤرقهم التفكير في المستقبل ويحرقون كل السفن لتبقى حروبهم التي وقودها الناس، ناسهم المؤتمنون عليهم، والحجارة، أي كل إعمار يمثل إطلالة على الأمل.
ذلك كله لا ينبغي أن يثني السائرين بالأمل في أوطانهم وخارجها عن التبشير به، ولا يقعدهم عن مد يد العون لضحايا تجار اليأس الذين يفتعلون المعارك لصرف الأنظار عن خطاياهم بحق الحاضر، والمستقبل الذي يحاولون حبسه في واقعهم المظلم.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







