هل ستغير نظرتك إلى الدعابة، النكتة تحديداً؟ من الصعب فصل المقال في انتقال النكتة من المعنى اللغوي، إلى المعنى الاصطلاحي، أي من الجذر الثلاثي الذي يعني أن تنقر الأرض بعود، فتترك أثراً فيها، إلى الدلالة على الطرفة واللطيفة والنادرة. الانتقال يصير مأساةً حين يعني فعل نكت ضرب الإنسان وطرحه على رأسه. هذه نكبة لا نكتة. جاء في «المعجم التاريخي للغة العربية» (الشارقة): «قال إبراهيم اليازجي، يورد صفات الأديب، فلان أديب فاضل بارع.. بليغ العبارة مليح النكتة»، ما يفيد بأن هذه النكتة غير النكتة، فالجسر في الانتقال هو الفكرة اللطيفة، وهو السائد لدى القدامى، نكتة علمية لطيفة.
من المباحث الشائكة في فلسفة الجمال وعلم النفس، منظومة الضحك والسخرية والنكتة. ألا ترى أن أندر المؤلفات كتب البحوث والدراسات عن الضحك. منذ العقد الثالث من القرن العشرين، لم يصدر ما هو أهم من كتاب «الضحك» للفيلسوف الفرنسي هنري برغسون. الطريف أن علماء النفس لا يعدون النكتة في الأدب الساخر أو الفنون الكوميدية. يردّون ذلك إلى هشاشة تكوينها، ينظرون إليها كضرب من الشائعة. في عصر الشبكة حدّث ولا حرج، ففي لحظة ترى النكتة غيّرت أسماءها ومكانها وحيواناتها وأزياءها وأغذيتها، حين تنتقل من الجزيرة العربية إلى الصين، إلى سيبيريا، إلى كندا. الأدب الساخر لا يتغيّر منه حرف. كأنما كعب بن زهير يعني النكتة: «فما تدوم على حال تكون بها.. كما تَلوَّنُ في أثوابها الغولُ». بخل علينا الشاعر بعرض لأزياء الغول ودُور تصميمها.
المسألة جادّة. مجلة «العلم والحياة» الفرنسية، نشرت مقالاً عنوانه: «الدعابة تتبع قوانين فيزياء الكمّ»، جاء فيه: «هذه ليست نكتةً، فطبقاً لمقال في مجلة «حدود الفيزياء»، يخضع تأثير النكت فينا لقوانين الجُسَيْمات الأولية في فيزياء الكوانتوم. هذا لا يعني أن الجسيمات تسخر من العلماء أو العكس، فما يُضحك الدماغ هو حالة من «مبدأ التراكب»، أي أن الجُسَيْم يمكن أن يكون في حالات مختلفة، مثل قط شرودينغر (حيّ وميّت معاً)، أو من «التشابك الكمومي»، كجُسَيْميْن مترابطين مهما تكن المسافة بينهما. يمكن تفسير العنصر العجيب للنكتة، بأنه ناجم عن ازدواجية المعنى في كلمة، أو وجود مسارات غير متوافقة للمشهد. في أثناء بناء نموّ النكتة ننتهج مساراً معيّناً، وحين تأتي نقطة التفجير، تفاجئنا نتيجةٌ مختلفة، فتحدث المفارقة، التي هي قوام النكتة. ذلك مثل مبدأ اللّايقين في القياس في فيزياء الكوانتوم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: لا مناص للثقافة من مواكبة العلوم. الآتي أعظم.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







