عادي

معلومات مواقع التواصل.. طريق الأكاذيب السريع

00:39 صباحا
قراءة 12 دقيقة
معلومات مواقع التواصل.. طريق الأكاذيب السريع

الشارقة: علاء الدين محمود

استطاعت ثورة التكنولوجيا والاتصالات والرقمنة جعل المعرفة متاحة للجميع بأقصر الطرق وأقلها تكلفة للجهد والوقت، ولكن هذا الاختصار هو عبارة عن طريق ممتلئ بالمخاطر والفخاخ المنصوبة في شكل معلومات كاذبة ومضللة ومغلوطة، وذلك هو واقع منتج ذلك التطور التكنولوجي المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بل حتى محركات البحث التي لا تفعل غير أن تعيد إنتاج ما هو موجود ذاته في الشبكة العنكبوتية التي تقوم في الأساس على نظام التغذية من أخبار ومعلومات ومعارف في شتى الضروب المختلفة، وأمام هذا الواقع يبرز سؤال إلى أي مدى يمكن الثقة بالمعلومة الموجودة في تلك المواقع؟

المعلومات الكاذبة تنشر في «الميديا» بصورة تكاد أن تذهب بالحقيقة بعيدا، وذلك بعد أن أصبح الحق في الكتابة والنشر متاحا للجميع سواء كانوا متعلمين أو جهلاء، أو متخصصين أو غير ذلك، وهو ما يحيلنا إلى الحديث الذي كان قد أطلقه من قبل الفيلسوف والأديب الإيطالي إمبرتو إيكو عندما أشار إلى أن أدوات مثل «تويتر» و«فيسبوك»، تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في أماكن معينة مغلقة، من دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، وعلى الرغم من أن حديث إيكو من شأنه أن يغلق مجال الحديث والكتابة وحق التعبير، إلا أنه يجد بعض المشروعية من جهة أن المخاطر لا تقتصر على الحديث المجرد فقط أو الذي يعبّر عن وجهة نظر معينة، بل في جعل هذه الوسائط ميدانا تتجمع فيه المعلومات الكاذبة والشائعات في جميع المجالات العلمية والمتعلقة بسلامة الأفراد، وكذلك على مستوى الأدب والثقافة والفكر، ولعل اللافت في ذلك الأمر أن القضية لا تنحصر فقط في ذلك الكم الهائل من المعلومات والأقوال المغلوطة والموضوعة المضللة، بل في الميل إلى تصديقها والتعامل معها كحقيقة، حيث إن الإنسان بطبيعته يميل إلى تصديق الشائعة ويدخل في ذلك الأمر الكثير من العوامل النفسية والاجتماعية.

بضاعة كاسدة

ولعل أكثر أشكال المعلومات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي هي تلك المتعلقة بالأخبار والشائعات الكاذبة المغرضة المتعلقة بالشخصيات المهمة في المجتمع في المجالات المختلفة، حيث أصبحت تلك المواقع سوقا تباع فيه بضاعة كاسدة وفاسدة يتم إعدادها بالكثير من التشويق والإثارة، تماما مثل العملية التي تصاحب بيع البضاعة في الأسواق من إضاءة لافتة وخلفيات أنيقة وحديث معسول يبذل على جوانبها بما يغري المشتري، وكلما ارتفعت قيمة البضاعة قلت قيمة الإنسان كما تشير إلى ذلك نظريات التشيؤ والاغتراب عند هيجل ولوكاتش وماركس ودولوز وغيرهم من الفلاسفة المعاصرين، وذلك ما يحدث في عالم اليوم بنمطه الاستهلاكي الغارق في الماديات وإشباع الرغبات المحدودة والانصراف نحو قضايا هامشية، وذلك ما توفره تلك المواقع سواء في «تيك توك»، أو «فيسبوك»، أو «اكس» وكذلك اليوتيوب وبرامج البودكاست، حيث يتم توظيف التقنيات المسموعة والبصرية في عرض مواد يصاغ مضمونها من معلومات مغلوطة ابتغاء حصاد الإعجاب «اللايكات»، وتحقيق الشهرة من أجل الوصول إلى المكانة، وهناك منعطفات بعينها كانت فيها الإشاعات والأخبار الكاذبة سيدة الموقف مثل فترة تفشي كورونا، التي تبارى فيها «المؤثرون»، و«الناشطون»، في تهويل الموقف بما جعل الذعر يدب في النفوس، ولعل أخطر ما في ذلك الأسلوب الإعلامي المضلل الذي تصحبه حالة من السعار والهيجان أنه يخرب السلام الاجتماعي، بل يقود إلى الصراعات وربما الحروب والفتن.

أمام هذا الكم الهائل من الأكاذيب والمعلومات والمعارف الزائفة، حاولت العديد من المواقع أن تتلافى الأمر، وهو شيء شديد الصعوبة، فقبل أعوام مضت وتحديدا في سنة 2021، أعلنت إدارة «فيسبوك»، عن العمل على توسيع نطاق برنامج «تدقيق الحقائق عبر جهات خارجية» باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط بالتعاون مع منصة «فتبينوا»، وهي منصة مستقلة متخصصة في التحقق من صحة الأخبار، وكان الهدف هو دعم جهود المنصة في محاربة الأخبار الزائفة والشائعات عبر الحد من تواجد المعلومات المغلوطة على المنصة، حيث يعملون على تحسين جودة الأخبار المتاحة على فيسبوك عبر تطبيق خطوات معينة لمراجعة وتقييم دقة الأخبار، بما في ذلك الصور والفيديوهات التي تظهر في صفحة المستخدم، أما إدارة «واتساب»، فهي الأخرى اعتمدت جملة من الإجراءات التي تقلل من الشائعات والمعلومات الخاطئة، ومنها عدم السماح بتحويل الرسائل لأكثر من شخص واحد، ولعل الخطورة الأبرز كانت في منصة «تيك توك»، التي باتت تلقى إقبالا كبيرا من الناشطين بمختلف خلفياتهم العمرية، وذلك لأن هذا الموقع يعتمد على تشجيع صناعة المحتوى عبر الإغراء المالي، فكلما كانت مشاركاتك كثيرة وكبيرة، فإن ذلك يعني زيادة عدد المتابعين وبالتالي الحوافز المالية بحسب المحتوى الذي يلقى رواجا، فصار المشاركون يقومون بإعداد محتويات تقوم على الإثارة والكذب والتضليل، وفي بعض الأحيان تتدخل الإدارة لحذف الحساب المعين، لكن ذلك لا يقلل من الخطر، حيث إن خطورة «تيك توك»، صارت تتضح أكثر في المحتوى السياسي الذي يثير مشاعر الكراهية ويهدد سلام العالم خاصة بعد التوتر الأخير بين الولايات المتحدة والصين على خلفية نشر محتويات سياسية مضللة، كما ارتبط موقع «يوتيوب» كذلك بالتطرف ونظريات المؤامرة.

إيديولوجيا

في بعض الأحيان لا تكون المعلومات المغلوطة بسبب الشهرة فقط، بل كذلك بصورة أكثر منهجية وبشكل إيديولوجي يتعمد أن تكون المعلومة كاذبة، ويبرز ذلك الأمر خاصة في الصراعات الدولية والدينية والعرقية والثقافية، وهو أمر تقوم به مجموعات بخلقيات فكرية وسياسية، وليس الأفراد وهنا تتعاظم الخطورة، خاصة في الصراعات ذات الطابع الديني وبين المذاهب المختلفة، كل يريد الانتصار لوجهة نظره فيتم تزييف المرويات التاريخية والمقدسة بحيث تخدم هذا الغرض، لتغرق الشبكة العنكبوتية في كم هائل من التضليل الممنهج بما يؤثر في المعرفة والحقيقة، وربما تابع الكثيرون تلك الحملة عبر نشر العديد من الاقتباسات الكاذبة، وكذلك يتم استخدام المعلومات المزيفة في الحرب بين الثقافات المختلفة بصورة تقلل من شأن بعض القوميات، وكذا الحال في مجال العنصرية وإبراز تفوق بعض الأعراق والثقافات على الأخرى بما يضع العالم كله في مشهد مضطرب.

في مجال الأدب والفنون والفكر والتراث والإبداع، فإن المعارف المضللة والمختلقة تكاد تطغى على المشهد، ولعل الأكثر تضليلا هو احتشاد المواقع بسِير ذاتية عن أدباء وفنانين مغلوطة تماما، ولا تصلح أن تكون مرجعا، وكذلك العديد من الأقاويل المزيفة لكبار الفلاسفة والأدباء حول العالم، حيث يقوم البعض بنشر اقتباسات ومقاطع زائفة يتعامل معها رواد تلك المواقع على أنها حقيقية، ولعل المفارقة تكمن في أن الكثير من هؤلاء الذين يحرفون أو يختلقون تلك المقولات والاقتباسات هم في الأصل لا علاقة لهم البتة بالأدب، بل يريدون عبر إقحام المفكرين والأدباء في استشهادهم بهم أن يمنحوا مقالاتهم وأحاديثهم نوعا من المشروعية، فالمتلقي لن يحفل كثيرا بمنشور شخص عادي مثله، لكنه سيهتم عندما يجد أن ذلك الشخص يربط حديثه بمقولات لهيجل أو نيتشه أو شوبنهاور أو أفلاطون أو فيكتور هوجو وغيرهم من المفكرين والأدباء، بالتالي فإن هذه الاقتباسات والمقولات تصبح ضمن المعلومات الخاطئة التي تصنع أجيالا من الذين تكونت معارفهم على ذلك الزيف والتضليل.

في الغرب انتبه الكثيرون إلى خطورة المعلومات المضللة والمعارف الخاطئة، خاصة في ما يتعلق بنسبة المقولات والاقتباسات إلى غير أصحابها، وانطلقت حملة كبيرة لبث الوعي بضرورة التأكد من المعلومات ومطابقتها عبر أكثر من مرجع قبل التعامل معها أو إعادة نشرها، وتم استخدام العديد من الوسائل في تلك الحملة منها السخرية والتهكم من الذين ينشرون أخبارا ومعلومات كاذبة، ومن أمثلة ذلك تداول مغردين إنجليز بطاقة ساخرة تدّعي أن السياسي والمفكر والزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي قال «أكره نادي توتنهام، لأنني أشجع الأرسنال»، والغرض من ذلك هو تحريض المتلقي على التفكير في المعلومة التي تصله وإخضاعها للمنطق، فليس من المعقول أن يكون المهاتما غاندي الذي مات في وقت سابق قد قال ذلك القول، بالتالي ينسحب ذلك الأمر على بقية المعلومات والمعارف من حيث ضرورة تمحيصها والتأكد من صحتها، وكانت تلك الحملة الساخرة قد انتقلت إلى أمريكا، حيث تم تصميم العديد من الملصقات والمطبقات والبطاقات بتصاميم مبتكرة من أجل التحذير من ذلك الأمر، ولعل من أشهر الملصقات تلك التي وضعت عليها صورة الرئيس الأمريكي السادس إبراهام لينكولن وإلى جانبه اقتباس مختلق يقول فيه: «لا تصدق كل ما تقرأ على الإنترنت، خصوصاً إذا وجدت صورة واقتباسا بجانبها»، وكان ذلك التوجه نتيجة لاستشعار الخطر الكبير الذي بات يهدد المعرفة والعلوم والفكر.

فلاسفة «الترند»

واللافت في الأمر أن هناك مفكرين وأدباء معينين يتم الإقبال على مقولاتهم وإعادة توظيفها بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي مثل هيجل وماركس ونيتشه والعديد من الفنانين والأدباء، وربما كان الأكثر حظا في التداول هو الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي، حيث نسبت إليه العديد من المقولات والاقتباسات التي يصعب تصديقها وذلك لركاكتها ومجافاتها لأسلوبه، ومثال ذلك هذا الاقتباس: «ماذا لو كان العنكبوت الذي قتلته في غرفتك يظن طوال حياته أنك رفيق في السكن»، وكذلك «حين يقول لك أحدهم قلبي مهجور، لا تكن أحمق وتعزيه فلقد أراد أن يقول لك بطريقة أخرى: اجعله مأهولاً بك»، وأيضا «لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء»، وكلها أقاويل موضوعة لم ترد البتة في أعمال دوستويفسكي، ويشير البعض إلى أن مارك توين هو بمثابة «مغناطيس الاقتباسات»، إذ نسبت إليه العديد من المقولات الساخرة والحكيمة التي لم يقلها مثل: «الكلاسيكيات هي تلك الكتب التي يريد الجميع قراءتها ولكن لا أحد يرغب في قراءتها»، ولعل من أكثر المقولات الشائعة غير الصحيحة والتي تُردد على مستوى العالم، ما نسب إلى ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، عندما أخبروها أن شعبها لا يجد فتات الخبز، فقالت «دعهم يأكلوا الكيك»، والحقيقة أنها لم تقل ذلك، بل وردت تلك المقولة في كتاب الاعترافات لجان جاك روسو عام 1966، حينها كانت الملكة طفلة، أما أشهر ما نسب لألبرت أينشتاين: «الجنون هو فعل نفس الشيء مرارا وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة»، حيث لم ترد في أي من مؤلفاته.

ناقوس خطر

بعض المثقفين والأكاديميين الذين تحدثوا إلى صحيفة «الخليج»، دقوا ناقوس الخطر من انتشار المعلومات الكاذبة بصورة كبيرة على الشبكة العنكبوتية وبصورة خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحول الجميع إلى أدباء ومفكرين نقاد، مؤكدين عدم ثقتهم بالكثير مما ينشر في تلك المواقع، حيث بات من المهم وجود ضوابط تتعلق بعملية النشر لأن خطورة ما يتم بثه ونشره أنه يتحول تدريجيا إلى حقائق ومسلّمات، وذلك سيكون له أثره المباشر في المعرفة في شتى أشكالها وأنواعها.

الدكتور حمد بن صراي، الكاتب والباحث في مجال التراث، ذكر أن معلومات ومعارف وكتابات مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى محركات البحث ليست مصدر ثقة، حيث تنتشر بصورة كبيرة ومتزايدة على مدار اليوم الواحد الأخبار والمعلومات غير الصحيحة وغير المحققة، ولا توجد فيها المصادر الأصيلة والقديمة من وثائق ونقوش، وحتى الذي يكتب لا يحيل إلى المورد الذي أخذ منه.

وأوضح ابن صراي أن كل الذي يفعله الناشطون الذين يكتبون أو يظهرون في الوسائط المرئية أنهم يعيدون تقديم المعلومة وقراءتها وتفسيرها وتأويلها بشكل غير صحيح، ويذهب مباشرة إلى نشر بضاعته بغرض تحقيق الشهرة أو الانتصار لموقفه الخاص، وفي بعض الأحيان يكون هناك تهويل لبعض المعلومات وإيرادها بطريقة غير التي عند صاحبها بغرض التشويق والإثارة مما يفرغ المعلومة من محتواها المعرفي والفكري.

ويرى أن في كثير من الحالات يلجأ هؤلاء الناشطون إلى الذكاء الاصطناعي في إعداد مقالة ويقوم بنشرها دون التأكد من صحة ما جاء فيها، وذلك من أجل أن يظهر بمظهر المثقف والمفكر، وذلك ضد المعرفة، فلا بد من التحقق والتروّي والتعمق، وهو ما يعيد الاعتبار للكتاب وضرورة القراءة.

ولفت ابن صراي إلى أن هذا الأمر بات مرهقا لهم كباحثين في التراث فهناك كم هائل من المعلومات المغلوطة خاصة في ما يتعلق بأسماء المواقع، ونسبة الكتب إلى غير أصحابها، وكذلك المقولات، فالجميع بات يشارك في هذه الجريمة سواء من المتعلمين أو الناشطين غير المتخصصين.

ركائز

أما الروائي علي أبو الريش، فقد أشار إلى أن من الاستحالة تصديق ما يرد في الإنترنت من معارف ومعلومات، لأنها لا تنهض على ركائز معرفية حقيقية، فهناك بالفعل مرض اسمه «السوشيال ميديا»، بات ينتشر كالفيروس وبصورة خاصة وسط الشباب الذي يكسل عن فعل القراءة المتأنية الصبورة، فتنتشر الأوهام والخرافات في مواقع التواصل الاجتماعي بدلا من المعرفة، حيث لا توجد معايير للنشر.

وذكر أبو الريش أن ما يحدث في الشبكة العنكبوتية هو عبارة عن نفق مظلم، فبدلا من أن توظف تلك الوسائط والأدوات الحديثة في نشر المعرفة الحقة والمعلومة المدققة، فهي تستخدم بشكل يسيء إليها كمنتج حضاري، وذلك أمر يؤثر بشكل كبير في المحتوى حيث يصبح الجهل والخواء سيد الموقف.

رقابة

بينما أكدت القاصة عائشة عبدالله على ضرورة وجود رقابة تحول دون ذلك التدفق الكبير من المعلومات المغلوطة في مواقع التواصل الاجتماعي، فمن المهم أن يكون هناك مختصون يشرفون على ما يكتب لأن خطورة ذلك الأمر تتمثل في أن يصبح ما هو غير حقيقي معتمدا من قبل القراء والمتلقين، بل وأن تتسرب مثل هذه الأكاذيب إلى المؤلفات الجادة.

وأشارت عائشة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والصحف الإلكترونية هي من منتجات التقدم الإنساني، ولكن يتم توظيفها بصورة هي ضد الحضارة والتطور، حيث يعمل هذا التضليل على نشر ثقافة الكراهية والصراع بين الثقافات والحضارات المختلفة بل بين البشر في البقعة الجغرافية الواحدة.

سلطة

الناقدة والكاتبة د. مريم الهاشمي تحدثت عن خطورة ما يرد من معلومات كاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك أن تلك الوسائط تعمل وفقا لمنظومة يتوفر فيها المرسل والمستقبل ويحضر فيها السياق والرسالة، لكن معايير الصدق في تلك العملية أصبحت على المحك، حيث يتسيد اللغط المعلوماتي من الكثير من الناشطين إلا من قلة، بما يجعل هذه الوسائط والوسائل غير مصدر للثقة.

وأوضحت أنه من غير الممكن إغفال تأثير هذه المواقع على تشكيل اتجاه الرأي العام، وهنا تكمن خطورتها الحقيقية، فهي بمثابة أحدث المنتجات الإعلامية التي أفرزتها تكنولوجيا الاتصال وأكثرها شعبية لتصبح مجَّانية متاحة للجميع، وساهمت كذلك في تكوين مجتمعات افتراضية بما يتوافر لها من سبل التواصل سواء من خلال ما هو مكتوب أو ما هو مرئي، ومن ثم أصبحت تلك الشبكات والمواقع وسيلة مهمة جداً في نقل وتبادل المعارف والخبرات، وهنا يبرز سؤال مدى مصداقية ما يتم تداوله وكيفية التأكد منه. وهذا يتطلب الكثير من العمل.

وتقول مريم الهاشمي: «إن كنا غير متحكمين في خلق مثل هذه المنصات فعلى الأقل وجب علينا الإسهام في الحفاظ على تراثنا الإنساني وتوثيقه التوثيق الحقيقي حتى لا يضيع ذلك التاريخ الممتد في الفضاء الافتراضي المتعدد العوالم».

اقتباسات عربية

هناك العديد من المقولات والاقتباسات على بعض مواقع التواصل الزائفة التي نسبت لأدباء عرب، ومنها ما يثير الضحك، حيث نسب بيت شعري غريب للمتنبي جاء فيه: «جرح في ظهر الخيل تحت السرج متداري... لا الخيل تشكي ولا الخيّال داري»، ومصدر المفارقة أن البيت نبطي، وعلى هذا المنوال نسجت وفبركت العديد من الأقوال، ومن أشهرها ما نسب إلى محمود درويش في هذه المقولة: «ستنتهي الحرب، ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن ولكنني رأيت من دفع الثمن». وهي مقولة تردد بصورة واسعة بينما يجمع كثير من النقاد على أن درويش لم يقلها في أي من مؤلفاته، وفي بعض الأحيان يتم نسبة ذلك الاقتباس إلى جبران خليل جبران، وهو أيضا لم يقله، وكذلك من أكثر الاقتباسات شهرة ذلك الذي نسب إلى الشاعر نزار قباني والذي جاء فيه: «من الغباء الاعتقاد أن المرأة تزهر في سن معينة، المرأة تزهر مع رجل معين».

منقبون عن الحقيقة

على إثر التراكم الكبير للمعارف الزائفة في مواقع التواصل، تخصص عدد من الباحثين في تقصي المعلومات المضللة والاقتباسات الموضوعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل من أبرز هؤلاء غارسون أوتول، الذي حذر كثيرا من أن تتحول تلك المعارف والمعلومات الكاذبة إلى مصادر حقيقية، حيث أشار إلى أن الاقتباسات الزائفة تتمتع بجاذبية كبيرة ويتم توظيفها بحيث تعطي مصداقية لأفكار خاطئة، فانتشارها لا يتعلق بالحقيقة بقدر ما هو سعي وراء الظهور بمظهر الحكمة والاختباء وراء شخصيات مشهورة ومحبوبة، إذ تتحول هذه المقولات المضللة إلى «عملة متداولة»، يتناقلها الناس ويجدون فيها ضالتهم، خصوصاً إذا عكست المقولة صورةً ملهمة عن حياة الشخصية وأفكارها، حيث يرى أوتول، أن الإنترنت بيئة خصبة لانتشار الزيف، ففي حال الاقتباسات فإن محركة البحث عند عملية البحث فإن الخوارزميات تعتمد على ترتيب النتائج الأكثر شعبية وليست الدقيقة، مما يضع هذه الاقتباسات والمقولات المزيفة ضمن الخيارات الأولى، بما يترك انطباعاً لدى المستخدمين بأنها دقيقة، فيقومون بمشاركتها وترديدها في أحاديثهم، حيث إن هذا «التصديق الشعبي»، يضفي على المعلومات المضللة طابعاً من الشرعية، يجعل من الصعب التشكيك فيها، ومن خلال التكرار المستمر تتسلل المعلومات والمقولات والاقتباسات المختلقة إلى دائرة التأثير الأكاديمي، حيث تجد طريقها إلى الكتب والمقالات، بل كذلك إلى الدراسات العملية في بعض الأحيان، فتتحول إلى «حقيقة أكاديمية»، يعتمد عليها الباحثون والقراء، وبهذه الطريقة يصعب على المتلقي والقارئ العادي التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف.وأشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن العديد من الكتب الأكثر مبيعا سواء مؤلفات أو إصدارات أخرى، تتضمن اقتباسات زائفة تُستخدم لتعزيز حجج معينة أو لإضفاء طابع فكري على الموضوع، وبذلك يجد القارئ نفسه محاصراً في عالم من الحقائق المشوهة التي يصعب تصحيحها، حيث تتغلغل هذه المعلومات الزائفة بعمق في الثقافة الشعبية والأكاديمية على حد سواء.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"