إعداد: محمد كمال
اعترف مسؤولون عسكريون إسرائيليون بمدى خطورة المجاعة واسعة النطاق التي تهدد حياة أهالي غزة، ما لم يتم استئناف تسليم المساعدات، وذلك في نفي صريح للرواية الإسرائيلية التي تم تردديها على مدار أشهر حول أن الحصار الحالي لا يشكل تهديداً كبيراً على الفلسطينيين في القطاع، فيما يؤكد خبراء في القانون الدولي أن هذه الاعترافات قد تصل إلى «جريمة حرب».
وحذر ضباط عسكريون إسرائيليون يراقبون الأوضاع في غزة قادتهم في الأيام الأخيرة من أنه ما لم يُرفع الحصار سريعاً، فمن المرجح أن تنفد كميات الغذاء الكافية لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية، واعترف هؤلاء العسكريون بأن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان إمكانية إعادة توريد المساعدات بالسرعة الكافية لمنع المجاعة في غزة، دون انتظار الاتفاق على آلية جديدة لتوزيعها.
وتوصل ضباط متخصصون في مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية (COGAT)، إلى هذه الأوضاع الكارثية، ثم أطلعوا كبار القادة سراً، محذرين بإلحاح من أن الكثيرين في القطاع على بُعد أسابيع قليلة من المجاعة. كما أطلع جنرال إسرائيلي مجلس الوزراء على الوضع الإنساني في غزة، قائلاً: إن الإمدادات في القطاع ستنفد، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
ـ خبراء القانون الدولي
ويقول خبراء في قوانين الصراعات الدولية، إنه من غير القانوني لأي دولة أن تحد من تسليم المساعدات إذا كانت تعلم أن ذلك سيؤدي إلى المجاعة.
وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح: «إن فرض حصار عسكري مع العلم أنه سيؤدي إلى تجويع السكان المدنيين يعد انتهاكاً للقانون الدولي».
وقالت ديل: إنه حتى لو كان هناك بعض الجدل حول التزامات إسرائيل تجاه سكان غزة، «فعندما يصرح صناع القرار الإسرائيلي بأن الهدف هو انتزاع تنازلات سياسية وعسكرية، فإن هذا يشكل بوضوح جريمة حرب».
ـ توسيع العمليات وتشديد الحصار
ويأتي الاعتراف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأزمة «الجوع» بالقطاع المدمر، في الوقت تعهدت إسرائيل بتوسيع نطاق حربها بشكل كبير للقضاء على حماس واستعادة الرهائن المتبقين، وهما هدفان لم يتم تحقيقهما بعد أكثر من 19 شهراً من الحرب.
وكشف تحليل المسؤولين العسكريين عن فجوة بين موقف إسرائيل العلني من منع المساعدات، وما يجري في المحادثات الداخلية، التي أكدت في غالبيتها نفس الاستنتاجات التي توصلت إليها منظمات الإغاثة العالمية التي حذّرت لأشهر من مخاطر الحصار.
كما تسلط المعلومات الجديدة الضوء أيضاً على خطورة الوضع الإنساني في غزة، فقد أغلقت معظم المخابز أبوابها، وبدأت مطابخ الجمعيات الخيرية في إنهاء عملها، ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يوزع المساعدات وينسق الشحنات: إن مخزونه من الغذاء نفد.
وأمام ضغط وسائل الإعلام العالمية، صرح أورين مارمورشتاين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه لا يستطيع الإدلاء بتفاصيل المناقشات الداخلية، فيما كانت القيود الإسرائيلية على المساعدات المقدمة إلى غزة من أكثر القضايا إثارةً للجدل خلال الحرب. وقطعت إسرائيل الإمدادات عن غزة في مارس/ آذار، قبيل خرق وقف إطلاق النار مع حماس.
ونوقش الحصار في اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الثلاثاء، والذي دعت إليه بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى. وصرح توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، بأن إسرائيل تفرض «عمداً ودون خجل» ظروفاً لا إنسانية على المدنيين في غزة والضفة الغربية. وسأل فليتشر: «ما هي الأدلة الإضافية التي تحتاجون إليها الآن؟» «هل ستتحركون - بحزم - لمنع الإبادة الجماعية وضمان احترام القانون الإنساني الدولي؟ أم ستقولون بدلاً من ذلك: «لقد بذلنا كل ما في وسعنا؟».
ـ وجبة واحدة إن وجدت
وتزايدت هذه التحذيرات مع قول أهالي غزة، إنهم يتناولون وجبة واحدة فقط يومياً إن توفرت أصلاً، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد. وقال فلسطينيون: إن سعر الدقيق ارتفع 60 ضعفاً منذ أواخر فبراير، ما أدى إلى تزايد عمليات النهب.
قال خليل الحلبي، موظف متقاعد في الأمم المتحدة يبلغ من العمر 71 عاماً من مدينة غزة: «كل ما أكلته اليوم كان قليلاً من الفول من علبة منتهية الصلاحية». وقال، إنه يشعر بدوار شديد ويعجز عن المشي. كما قال: إن ابنته، التي أنجبت مؤخراً، لا تستطيع إرضاع طفلها لأنها لا تتناول طعاماً كافياً. وأضاف أن حليب الأطفال الصناعي غير متوفر.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها تعمل مع إسرائيل على خطة تشمل قيام منظمات خاصة بتوزيع الطعام من عدد قليل من المواقع في غزة، والتي سيخدم كل منها مئات الآلاف من المدنيين. وسيتمركز الجيش الإسرائيلي في محيط هذه المواقع، بينما ستتولى شركات الأمن الخاصة دوريات داخلها.
لكن رفضت وكالات الإغاثة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الخطة، مؤكدةً أنها لن تنضم إلى المبادرة لأنها ستُعرّض المدنيين لخطر أكبر. وأوضحت الوكالة أن المقترح سيُجبر الفئات الأكثر ضعفاً على السير لمسافات أطول للوصول إلى مراكز التوزيع القليلة، ما يُصعّب إيصال الغذاء إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه. وأوضحت الأمم المتحدة أن النظام الحالي يضم 400 نقطة توزيع، وأن النظام الجديد «يُقلّل بشكل كبير من نطاق التغطية التشغيلية».
كما حذّرت الأمم المتحدة من أن الخطة ستُجبر المدنيين على المرور عبر خطوط الجيش الإسرائيلي بانتظام، ما يزيد من خطر الاعتقال والاستجواب. وأضافت أن الخطة ستُسرّع نزوح المدنيين من شمال غزة، إذ من المتوقع أن تكون مراكز التوزيع بعيدة جنوب القطاع.