عادي
في شاعرية البصر

«الكوفي القيرواني».. تاريخ من الجمال

14:21 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

قدم العديد من الخطاطين العرب والمسلمين أعمالاً وتكوينات ولوحات بالقلم الكوفي غاية في الروعة ومتناهية في الجمال والإشراق، فهذا الخط من الأقلام المغرية بالنسبة للفنانين لكونه يعبر عن الأصالة الخطية وبدايات هذا الفن الذي بات له مريدون وعشاق في مختلف أنحاء العالم.

يعتبر الخط الكوفي من أقدم أنواع الخطوط العربية، ويشار إلى أنه يتكون من صيغة معدلة من الحروف النبطية القديمة، حيث إنه قد ظهر في أواخر القرن السابع الميلادي وبدايات ظهور الإسلام وسمي بالكوفي لأنه ظهر في مدينة الكوفة العراقية، بينما يشاع أنه قد استعمل قبل مئة عام من ظهوره في الكوفة ويرجح بشكل كبير أن بداياته كانت في الحيرة القريبة من الكوفة وتم استخدام هذا الخط في تدوين المصاحف بصورة خاصة، إذ أن جميع كتب القرآن التي نسخت قبل القرن الرابع الهجري قد كتبت بالكوفي واستخدم كذلك في نقش جدران المساجد والقصور وأعمال التزيين والعمارة الإسلامية

* مميزات

ومن مميزات هذا الخط الإمالة في حروف الألف واللام نحو اليمين قليلاً وهو من الخطوط غير المنقطة، ويُعد أكثر مرونة من بقية الأقلام العربية الأخرى ويتيح للكاتب أو الخطاط مساحة من الإبداع بحيث في مقدوره أن يبتكر ويستحدث أشكالاً جديدة، مع ضرورة الحفاظ على الطبيعة الهندسية التي عرف بها الكوفي وعلى الرغم من أن الشكل الهندسي هو الذي يحكم هذا القلم، إلا أن هناك عدة أنواع مختلفة للخط الكوفي وبصفة عامة فإن هذه اللوحة التي يستخدم فيها هذا القلم تأخذ من الخطاط وقتاً طويلاً في عملية الرسم، حيث ينبغي عليه التصميم ثم التحبير.

* القيرواني

ومن أشهر أنواع هذا القلم ما عرف بالخط الكوفي القيرواني نسبة للقيروان في المغرب وتم استخدامه لأول مرة في قرآن «الحاضنة»؛ وهو مصحف كبير الحجم من المصاحف القديمة كُتب على الرَّقّ، كتبه وذهّبه وسفّره علي بن أحمد الورّاق القيرواني وتم اكتشاف ذلك الخط القيرواني من خلال أعمال حماية مخطوطات المكتبة القديمة في الجامع الكبير بالقيروان، إثر نشر مقال في جريدة مصرية عام 1897 عن وضع الكتب هناك، إلا أنه سنة 1948 أجرى عالم الآثار الفرنسي لويس بوينسوت بحثاً أعمق حول المخطوطات وقام بتفكيكها وأخذ أغلفتها إلى متحف «باردو»، تاركاً الأوراق مقسمة حسب الحجم والحالة واستعمل هذا الخط في كتابة المصاحف التي لا يزال بعضها موجوداً في مدينة القيروان وبلغت ذروة استعماله في القرون الهجرية الأربعة الأولى في بلاد المغرب إلا أنه بدأ يتراجع بدءاً من القرن الخامس الهجري مع ظهور الخط الأندلسي في المنطقة ولم يبقَ حسب ابن خلدون إلا في الجنوب الغربي التونسي لبعد هذه المنطقة عن التأثير الأندلسي.

واعتبر القيرواني أحد تفريعات الكوفي نسبة لغلبة الطابع الهندسي عليه وبشكل عام فإن الحروف في الأسلوب القيرواني غليظة وذات زوايا حادة وغير منقطة وكما هي القاعدة في جميع الأنماط الكوفية بشكل عام، أول ألف في الكلمات المعرفة تتميز بامتداد سفلي ينتهي بشكل أفقي إلى اليمين وتتميز الأحرف المنخفضة مثل الباء والسين، بأسنان قصيرة متوازية وشديدة القرب وإضافة إلى هذا، فإن الكلمات لا تنقسم ولا توجد علامات تنقيط.

* لوحة

وهناك الكثير من استخدموا الخط الكوفي من الخطاطين في الماضي وفي الوقت الراهن ولعل أشهر المعاصرين الذين برعوا في توظيف القلم الكوفي القيرواني هو التونسي عامر بن جدو، الذي قدم الكثير من اللوحات والروائع الخطية واخترنا له لوحة تحمل نصاً عربياً قديماً يحمل دلالة التوحيد بالله تعالى وهي التي تقول: «يقيني بالله يقيني»؛ أي أن اعتقادي وإيماني وثقتي بالله عز وجل هي التي تحفظني وتحميني، وهي عبارة تحمل الكثير من المعاني الإيمانية وتحلق بالمرء نحو عالم من الجمال والألق الروحي.

وعمل الخطاط ابن جدو على تمثل معاني العبارة ومن ثم تحويلها إلى عمل فني، حيث استطاع أن يستفيد من مميزات هذا القلم في صناعة حالة إبداعية وجمالية محتشدة بالأنوار عبر شكل هندسي مستطيل يتكون من قاعدة وأفق ينطلق منها بما يشبه التكوين المعماري المعقد، إلا أن الكلمات تبدو في غاية الوضوح، حيث قام بكتابة العبارة ثم كررها في أجزاء صغيرة كنوع من التزيين في الفراغات والهوامش مستخدماً اللون الأحمر الساطع وبخلفية صفراء من أجل أن تبرز اللوحة ليتدبر المشاهد معانيها وجمالياتها.

* إضاءة

ولد عامر بن جدو في عام 1954 وعمل مدرساً قبل أن يتقاعد وبدأ دراسة الخط العربي في أواخر شبابه اعتماداً على بعض الكراسات التعليمية، ثم واصل دراسته تحت إشراف الخطاط محمّد ياسين مطير، وفي سنة 2006 حصل على الجائزة الثالثة في المسابقة الوطنية للخطّ العربي «الخطّ الكوفي القيرواني» وكانت له مشاركات في مسابقات «إرسيكا» وحصل مرتين على جائزة في الخط الكوفي القيرواني وفي سنة 2008 أعدّ محاولة لتقعيد الخطّ الكوفي القيرواني انطلاقاً من بعض كتابات الخطاط علي ابن أحمد الورّاق، واستطاع أن ينجز كراساً تعليمياً متكاملاً تمت طباعته سنة 2015 بعنوان: «قواعد الخط الكوفي القيرواني»، وشارك في عدة ملتقيات ومعارض في الداخل والخارج.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"