ما الكتابة سوى استعارة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من قارئ متابع للخط البياني الكتابي لعلي أبو الريش، إلّا ويقف مبهوراً امام هذه الغزارة المتتالية في الرواية والمقالة الصحفية وباقي أشكال الكتابة التي تمثل كل حياة صاحب «زلزال»، الرواية الجديدة، التي تبدأ خيوطها الأولى من المعيريض في رأس الخيمة. ويتذكر قارئ علي أبو الريش أن المعيريض هي أيضاً مكان شخصيات وسرديات روايته (الاعتراف).
تقع رواية زلزال الصادرة عن دار مراد للنشر والتوزيع في دبي في 750 صفحة من القطع الكبيرة، وتبدأ بهذه المشهدية الشعرية الجميلة «كان الليل يفترش عباءته السوداء، وبدت السماء مثل أنثى عملاقة تغطّي جسدها من مفرق الرأس حتى أخمص القدمين، وكانت (معيريض) تهجع في الظلام الدّامس مثل قطة مريضة تمدّ قدمين في الماء، وتسند ظهرها إلى الجبال الشاهقة، التي كانت أشبه بخرفان عملاقة تنطح السماء».
لا أنوي هنا تقديم عرض سريع أو قراءة مكثفة للرواية، وأترك هذا الواجب الثقافي والصحفي لمقالة أخرى بعد الانتهاء من الرواية، ولكنني أشير إلى فاتحة الرواية أو بدايتها التي تنطلق من حيّ المعيريض في رأس الخيمة، إذ إن هذا المفتتح الجاذب لا يعرفه ولا يتذوّقه ولا يعيشه نفسياً ووجدانياً إلّا من عرف رأس الخيمة، وعرف المعيريض، وعرف البحر، والجبال الأشبه بخرفان عملاقة تنطح السماء، كما كتب صاحب الرواية.
المعيريض موجودة أيضاً في الكثير من الكتابات الروائية والقصصية عند علي أبو الريش، لا بل إن هذا الحيّ الجلفاري الحميم القريب من البحر، موجود أيضاً في كتابات الكثير من روائيي وشعراء رأس الخيمة، وإذا أردت عُدْ الآن إلى رواية «تربيع أوّل» للكاتب سعيد الحنكي لتعرف المعيريض عن قرب. يقول الحنكي «أطلق الناس على قريتهم اسم المعيريض كونها تقع معترضة بين خلجان وتلال وبحيرات وسبخة مملوءة بأحراش الأسل تعزلها والمناطق المجاورة عن بساتين النخيل، وقد صاحب اسمها تدليلاً لصغر مساحتها، قبل إنشاء السدود ودفن معظم المياه حولها».
عشت فترة من حياتي في رأس الخيمة في وسط الثمانينيات في المعيريض، ثم انتقلت إلى المعمورة ثم إلى حيّ خزام ويومياً بحكم عملي آنذاك في التدريس كنت أمتلئ بصورة الحياة والأرض في الجزيرة الحمراء ونوارسها المرفرفة فوق زرقة الماء، وهي الصور التي لا تفارق الذاكرة مطلقاً، بخاصة كلما قرأت عملاً شعرياً أو روائياً مصدره المكاني رأس الخيمة لأقول أو أتساءل الآن: هل تصبح قراءة العمل الأدبي أجمل وأكثر وضوحاً حين نقرأ رواية أو قصيدة نعرف مسبقاً مكان وناس وجبال وطيور وأشجار هذه الرواية أو تلك القصيدة؟ الجواب نعم، ففي حالة أنك تعرف المكان وأهله وصوره، تصبح شريكاً في تأليف النصّ الذي تقرأه، أي أنك تقرأ كما لو أنك في الوقت نفسه تكتب. ويصبح المكان المكتوب مرئياً أكثر بالنسبة إليك كقارئ تعرف جيداً هذا المكان قبل أن يتحوّل إلى نصّ أدبي.
كأن روايات العالم كلّه ما هي سوى استعارة لغوية من معجم المكان حيث «الموجة تمشط خصلات الرمل المبلّل بالماء والملح»، بحسب شعرية علي أبو الريش.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"