ما رأيك في أن نفاجئ التربويين بسؤال لم يخطر لهم يوماً على بال؟ لا ينصرفنّ ذهنك إلى سوء الظن الآثم، فيذهب، لا قدّر الله، إلى أن المناهج العربية لا تضع قضية الإبداع على جدول أعمالها وخططها التعليمية. السؤال: هل يمكن أن يغدو الإبداع مادّة دراسية مقررة؟ الرد الساطع آتٍ: الإبداع ليس مادةً أدبيةً أو علميةً، لها فصول وأبواب، حتى تضاف إلى المناهج، ويرتقي الدارس في سُلّمها إلى مستويات التخصص والتبريز.
من مكارم الأخلاق ألاّ تمسك بخناق الرّادّ الذي ظنّ ألاّ رادّ له، وتكتفي بالقول: من فمك أدينك، فلا ينفعك مَعينك ولا مُعينك. أيّها التربوي الجليل، ألم ترَ كيف تُدرّس المدارس أدب اللغة العربية، من الإعدادية إلى الجامعة، وقبل ذلك تبدأ رحلة مديدة في النحو والصرف، منذ الابتدائية، وبعد طول المعاناة، يتخرّج الطالب من دون أن يكون قد عبر ظل شجرة الإبداع في لغته، بحرفها وكلمتها. بل إن ملفات القواعد التي حاول المعلمون والأساتذة تخزينها في قرص دماغه، الصلب، (القرص هو الصلب لا الدماغ)، كأنها ألغتها السنون بنقرة فأرة. المسألة بسيطة، تستطيع مراكز البحوث التربوية التابعة لمناهج التعليم، أن تعدّ دراسات تحقيقية، لمعرفة مستوى اللغة لدى الطلاب، فإمّا نقف على معادن الجوهر، وإمّا «قفا نبك من ذكرى لسانٍ مُبهدلِ».
القضية ليست لعبة، فنحن اليوم أمام اقتحام إسكندري للذكاء الاصطناعي. هنا الإمارات وانعقاد العلاقة بالآلة الذكية منذ الحضانة. على المناهج العربية، أن تفهم بالبنط الأعرض، أن زمن قضاء ابن جنّي أربعين سنة في تعلم الصرف قد ولّى. اليوم، لا وقت لمن يفتح عينيه على العالم الخوارزمي، لإضاعته في مطوّلات متون النحو والصرف والبلاغة. سوف يقع لا محالة في فصام بين آلة تتعلم في مقاييس جنّ سليمان، وآدميين يضيعون ستّ عشرة سنةً فلا يستوعبون الصلات بين الفعل والفاعل والمفعول. كيف تستطيع المناهج العربية وبأي معجزة بلوغ الملَكَة اللغوية من دون الانسحاق تحت وطأة جبال القواعد؟ في فجر الإسلام ذهب رجل إلى البادية يعلّم الصبيان القرآن. قال للطفل: قل تبّت يدا، قال تبّت يدان. قال: قل تبت يدا، قال: تبّت يدان. قال: قل تبّت يدا أبي لهب، فقال تبّت يدا أبي لهب. أبى الصبي النطق بالخطأ، لأنك تحذف النون في حالة الإضافة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: ما المانع من أن تكون غاية التعليم تربية الإبداع؟ هذا مبحث مضاف ومضاف إليه.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







