د. حسن مدن
يُفيدنا معجم المعاني العربية، بأن المقصود بتعبير «ما بين السطور» هو الأمر المُضمر الذي لم يُقل مباشرة، فحين نقول عن أحدهم إنه فهم ما بين السطور نكون قد عنينا أنه «استشفّ المعنى الضِّمنيّ». ويُنسب إلى الشاعر المصري أحمد محرم (1877 – 1945) بيت الشعر القائل: «فتشتُ ما بين السطور فلم أجد/ أن الأُسود بصيدها تتصدق»، وكان محرم من مريدي الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في دعوتهما إلى الإصلاح والتجديد الديني، وفي خانة المديح قال الشاعر السري الرّفاء: «فكأنَّ الدَّهرَ قد سُطر ما بينَ سُطورِك»، والرفاء شاعر من الموصل قصد سيف الدولة الحمداني بحلب ومدحه وأقام عنده مدة.
ومن أوجز وأدقّ التعريفات التي صادفتنا لتعبير «ما بين السطور» ما قاله اللغوي د. مجدي إبراهيم في مقال له منشور على موقع «صحيفة المثقف»، أفاد فيه بأن العبارة «تعني أن هناك كلاماً غائباً نستوحيه من الكلام المكتوب، فالكلام القائم في الواقع يرمز بألفاظه إلى دلالة غائبة هي المُراد بقولنا (قراءة ما بين السطور)».
أما علاقة الذكاء الاصطناعي بـ«ما بين السطور»، فهي موضوع بحث أجراه فريق بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، طُلب فيه من ثلاث مجموعات من المتطوعين مشاهدة مقاطع فيديو لا يزيد طول كل منها على ثلاث ثوانٍ، وتقييم التفاعلات الاجتماعية بين الأشخاص الذين يظهرون في هذه المقاطع، كما تمّ تحليل المقاطع نفسها بأكثر من 350 منظومة للذكاء الاصطناعي متخصصة في مجالات تحليل اللغة والفيديو والصور. وكان الهدف «فهم مدلول الإشارات الاجتماعية التي يقوم بها البشر في تلك المقاطع»، فكانت النتيجة أن المتطوعين أنجزوا المهمة المطلوبة بسهولة ويسر، في حين أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تنجح في تفسير دلالات أو معاني محادثات البشر في مقاطع الفيديو.
لم تكن غاية الباحثين، كما قد يتبادر إلى الذهن، التقليل من أهمية وقدرات الذكاء الاصطناعي، حيث تتوفر معطيات على تفوقه على الإنسان «في مجالات عديدة مثل الهندسة والطب وعلوم الفضاء، بل وألعاب الذكاء مثل الشطرنج وخلافه، كما أنها طرقت أنشطة إبداعية مثل تأليف الشعر ورسم اللوحات الفنية»، لكنه أظهر في هذا الاختبار عجزه عن فهم الإشارات الاجتماعية التي تعبر عن الدلالة الحقيقية للتفاعلات الإنسانية.
ووفق خلاصة موقع «دي. دبليو» الذي عرض لنتائج الدراسة، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي أظهرت، حتى اللحظة على الأقل، فشلها في «أن تفهم (ما بين السطور) عندما يتحدث البشر مع بعضهم البعض».
قلنا: «حتى اللحظة على الأقل» من باب الاستدراك، لأننا لا نستبعد أن تكون غاية هذا النوع من الدراسات تطوير مهارات الذكاء الاصطناعي، بحيث تتجاوز قراءة «الظاهر» لتبلغ «الباطن»، أي السطور وما بينها.