تحديات المنطقة العربية والتعاون الدولي

00:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. منصور جاسم الشامسي*

تسير المنطقة العربية، وهذا يشمل «مصطلح» الشرق الأوسط، بشكل خطر إلى درجة يُصبح فيها تعاون «المجتمع الدولي» مع دول المنطقة بفاعلية وجدية، وفق إرادة جديدة، ووعي جديد، وانفتاح، أمراً مُلحاً لتقويض الحروب والصراعات المسلحة والنزاعات والمواجهات في المنطقة، بكوارثها التي لا تخفى، وهذا يتطلب «التعاون الدولي»، المُتضمن التعاون الإقليمي، الواعي والسِّلمي، القادر على خلق «ظروف تصالحية» تُنهي «الوضع الكارثي»، لأجل حاضرٍ ومستقبلٍ آمن، مُتسامح، مستقر، مزدهر، على المستوى العربي والإقليمي والعالمي.
مارك كارني، الخبير المصرفي والاقتصادي، محافظ بنك كندا وبنك إنجلترا، ورئيس وزراء كندا، الحالي، لديه رؤية واسعة للعالم شرحها في كتابه: «القيم: بناء عالم أفضل للجميع». نَستنتج منها ضرورة المبادرة بحل الأزمات العالمية، والحروب والصدامات المسلحة والنزاعات والمواجهات بالمنطقة العربية من أخطر الأزمات العالمية، كما ينبغي عدم اقتصار «الرخاء والرفاه والتقدم الاقتصادي» على مناطق معينة أو تستأثر به «الأوليغارشية»، وإنما جعل «الرخاء والرفاه والتقدم الاقتصادي» مُتاحاً لعامة الناس، وهذا ما تحتاج إليه الشعوب العربية في مناطق الحروب والصراعات المسلحة والنزاعات والمواجهات.
«التعاون» بِنْيَة العالَم، من أصول السياسة العامة والعلاقات الدولية.
قال ليوناردو دافنشي: «كل جزء هو ميّال إلى الاتحاد مع الكُل، بحيث يستطيع عن طريق ذلك تجنُّب النقص الكامن فيه». الدول العربية أجزاء مترابطة عضوياً، والعالم متشابك معها، يدعم بعضه بعضاً، والتكوين الاقتصادي للعالم قائم على المنطقة العربية بما تملكه من مصادر طاقة، واستثمارات، فضلاً عن الأهمية الاستثنائية لها، ما يجعل مسألة «التعاون الدولي» طبيعية وضرورية لإنهاء حالة التأزم هذه، التي لها أسبابها الداخلية والخارجية.
من أين وبماذا يكون هذا «التعاون» وما هو وكيف هو؟
التعاون الدولي «الحقيقي» يتم في إطار علاقات دولية متكافئة، قائم على «المعرفة والإدارة الشمولية»، يعكس فهماً عميقاً وتخصصياً للعالم، وهو عملية خَلاقة لتنظيم العالم، سياسياً، عبر العلاقات العامة، واجتماعات عمل وحوارات متبادلة تستكشف فرص النماء الدولي، وتُحدد عقباتها، وتَواصُل إيجابي بنائي وظيفي سياسي ودبلوماسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، وغيره، يُنْتِج برامج – مشاريع – مبادرات تنموية، متنوعة، ويملك آليات حل الأزمات، وتحسين وتنظيم طرق الإنتاج والإمداد، لصُنع الحياة الجيدة للجميع.
تقول أغنية إغريقية: «هذا الكون مليء بالروائع. لكن أروعها هو الإنسان». فأساس التعاون «الإنسان»، «مادة الكوكب»، «مُجْتَمَعُ الإنسان» «النّواة الصّلبَة» للتعاون الدولي الذي يعكس الحس الإنساني المشترك باعتبار «الإنسان» الأساس والمركز المشع والكائن الاجتماعي والنوعي وموضوع الحياة والكون.
الاتفاقيات الدولية، بغض النظر عن مواضيعها المباشرة، لها قواعد عمل ضمنية: تعزيز «الوجود والنوع الإنساني»، تمكين الإنسان في مجتمعاته المحلية التاريخية وعدم اجتثاثه، وحفظ الفكر والإدراك الإنساني. «التعاون الحقيقي» مُحقق لمنافع أكثر من مصالح، كون مصطلح «مصالح» إذا كان غير مُعرّفاً فقد يشمل الأشياء السلبية، الضارة، غير الإنسانية، المخالفة للقانون الدولي وللأعراف والقيم الإنسانية وللمَيل الفطري والطبيعي والأخلاقي الإنساني.
«أنسنة» العلاقات الدولية، أي جعلها إنسانية، تجعل مفهوم «الإنسان»، الذي ظل مهيمناً على الفكر الإنساني، والفلسفي، كما لم يفعل أي مفهوم آخر، «مركزياً» في «التعاون الدولي»، فغياب «مركزية الإنسان» يُنشئ أزمات. مثلاً، إذا تم ربط معادلة «استمرارية الحروب والصدامات المسلحة والنزاعات والمواجهات بالمنطقة العربية» بمعادلة «مصالح شركات التصنيع العسكري وأرباحها التجارية، والهيمنة الخارجية، وسطوة أيديولوجيات التطرف، ومخططات السيطرة على العالم والفضاء، وانهيار الثقة»، فسوف تستمر حالة الحروب والصدامات المسلحة والنزاعات والمواجهات بالمنطقة العربية «وتستمر معها تداعياتها الواسعة الخطرة على الواقع والأمن والاستقرار والسلام والضمير والمستقبل والمصير الإنساني العالمي.
لذا، تتطلب معالجة «الوضع التصارعي» بالمنطقة العربية بشكل «جذري» و«حقيقي» تأكيداً للمركزية الإنسانية في التعاون الدولي ودمج الحل السياسي والدبلوماسي بالمسار التنموي البنائي الجَمالي، بعيداً عن «الحلول الوهمية» وأساليب الحل والهوس والتفوق العسكري، والهيمنة الجيواستراتيجية، وإبراز القوة، والهجوم والتدمير والسيطرة والقمع وبناء القوة الفتاكة وإعلانات الحروب «الضمنية» وخوضها بشكل فعلي وسباقات التسلح، ومضاعفة الإنفاق العسكري وخطابات التعبئة وأوهام العظمة والتهويل وفرض العقوبات والحصار والحروب التجارية.
«التعاون الدولي» عند تبلوره كإرادة وقوة سياسية حرة موضوعية فاعلة، قادر على إنهاء حالة الحروب والصدامات المسلحة والنزاعات والمواجهات في المنطقة العربية، فالمجتمع الدولي له روابط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية وتاريخية ومهنية وحضارية، وغيرها من روابط، بالمنطقة، فضلاً عن «الروح العالمية الإنسانية الواحدة الجامعة»، وهي واقع وإن كان لا يراها بعضهم.
«التعاون الدولي» كما لو أنه سياسة تحالف سلمي بين الأمم معادية للحرب ومدافعة عن «العالم الرشيد»، قياساً على مفهوم «الحكومة الرشيدة»، ضد «العالم الآخر».
التعاون الدولي، المُتضمن للتعاون الإقليمي، يعمل بشكل مُنتظم، مباشر، فوري، كُلي، لإنهاء حالة الحروب والصدامات المسلحة والنزاعات والمواجهات بالمنطقة العربية، متجاوزاً الخلافات والتناقضات و«الندية» وسوء الفهم وكل التراكمات السلبية والإخفاقات السابقة، وينحاز نحو الاعتدال، عبر آليات سياسية ودبلوماسية، وتنموية، سياسة اقتصادية اجتماعية حقيقية إنسانية عادلة مقبولة عند الشعوب العربية.
الضحايا الذين دفعوا أثمان الحروب والصراعات المسلحة والنزاعات والمواجهات، وهم القوى والكوادر العاملة المُنتجة التي أسهمت في تقدم الدول العربية والعالم، بفكرها وتخصصاتها وخبراتها وإبداعاتها، تستحق حقها الطبيعي في الأمن والاستقرار والازدهار والتقدم، والتمكين لها في مجتمعاتها.

*باحث علمي- علوم سياسية/ تنمية بشرية

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"