يبدو أن الدعم الأوروبي غير المتناهي لأوكرانيا، دفعها إلى زيادة حدتها في تعاطيها مع روسيا، فما طرحه مؤخراً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمطالبة نظيره الروسي باللقاء في تركيا وجهاً لوجه، لوضع حد للصراع القائم بين الطرفين، هو أشبه ما يكون بطلب صادر عن دولة منتصرة، لا عن دولة اقتُطع نحو 20% من أراضيها، وما دفع زيلينسكي لذلك هو تعويله على أوروبا، التي لم تتأخر في دعمه، متوعدة بعقوبات مغلظة في حال رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبول محادثات يسبقها وقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، وهو ما قابلته موسكو بالرفض جملة وتفصيلاً.
لم تكن أوكرانيا لتتجرأ على مثل هذا الطرح القوي لحل خلافاتها مع روسيا لولا الدعم الغربي غير المحدود لها، باستثناء الولايات المتحدة التي يحاول رئيسها دونالد ترامب صياغة تفاهمات محددة، توصل إلى وقف لإطلاق النار ضمن رؤية تختص بها واشنطن عبر الموازنة وعدم الانخراط باستفزاز روسيا لمديات بعيدة، حفاظاً على الخيط الرفيع الذي يمكن من خلاله الوصول إلى اتفاق ما، وهو ما ترفضه كييف ومن خلفها أوروبا التي يسعى وزراؤها إلى اتخاذ أوكرانيا ذريعة لإملاء شروطهم على روسيا، وما يؤكد ذلك دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الاتحاد الأوروبي إلى التركيز على حزمة عقوبات جديدة، لخنق الاقتصاد الروسي، وإجبار بوتين على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
روسيا بدورها، ترفض أي ابتزاز، وتقول: إن الإنذارات لن تؤتي أُكلها، ولن تثمر غاياتها التخويفية، إذ تصّر على رؤيتها حول نهاية الحرب بإجبار كييف على الاعتراف بالأراضي التي تمت السيطرة عليها، وامتناعها عن الانضمام إلى «الناتو»، وعدم محاربة الثقافة الروسية، وهي مطالب ترى فيها أوكرانيا أنها تمثّل قبولاً بالهزيمة، وإن إذعانها لروسيا سيفتح شهية الأخيرة على قضم أراضٍ جديدة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول إيجاد صيغ توافقية، وهي أقرب لوجهة النظر الروسية منها إلى الأوكرانية، بشأن قدرات روسيا العسكرية، وتفوقها الميداني، فإن عداءها التاريخي لموسكو، قد يدفعها إلى تجاهل الواقعية نحو مزيد من الاستنزاف لروسيا، كي تدفعها إلى القبول بتسوية ما، بشروط مخففة تقبلها كييف.
ومع هذه المعطيات، فإنه رغم نداءات السلام المتكررة أكثر من أي وقت مضى، فإن وقف إطلاق نار نهائي يبدو بعيد المنال الآن، فروسيا هي صاحبة اليد العليا، والتهديدات بتدمير اقتصادها لم تعد تجدي نفعاً معها، فقد فرضت عليها سابقاً حزم ضخمة لحصارها اقتصادياً، وكانت تخرج أقوى في كل مرة، كما أن وجود ترامب المتوازن في طرحه -حتى الآن- أكثر من سلفه بايدن، يشجع روسيا على المضي قدماً في مشروع الحرب حتى النهاية.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







