هل سألت نفسك يوماً لماذا أصبحت شوارعنا مزدحمة بهذا الشكل؟ ولماذا بتنا نستغرق وقتاً طويلاً داخل سياراتنا لمجرد التنقّل من منطقة إلى أخرى؟ أعتقد أن أحد الأسباب الجوهرية يكمن في الارتفاع الكبير في عدد رخص القيادة الصادرة، والتزايد المستمر في ترخيص المركبات، فاليوم، يكاد يكون همّ أي شخص يدخل الدولة هو استخراج رخصة قيادة وشراء سيارة، وهذا ما أصبح في غاية السهولة في الإمارات، حيث لا تحتاج إلى الكثير من الوقت أو المال للحصول على رخصة، ولا يكلّفك امتلاك سيارة الكثير.
وبعدها، تبدأ القيادة في الطرقات، بغضّ النظر عن ثقافة السائق أو وعيه المروري؛ من يقود ببطء في أقصى اليسار، أو من يضغط على الفرامل فجأة عندما يرنّ هاتفه، أو من يتوقف وسط الشارع ليراقب حادثاً وقع في الاتجاه الآخر، أو حتى من يرجع للخلف في طريق سريع، جميع هذه السلوكيات، وغيرها، تتسبب في إرباك مروري يومي، وحوادث متكررة.
وإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه، فإن السنوات القليلة القادمة ستشهد شللاً مرورياً حقيقياً في أوقات الذروة، سنحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الوقت للوصول إلى أماكن عملنا أو أي أماكن أخرى، وحتى التنقل بين الإمارات سيصبح عبئاً كبيراً، وسيغدو التنقل تحدياً نفسياً وجسدياً واقتصادياً، ومهما زدنا من الطرق والجسور والتوسعات، فإنها ستظل حلولاً مؤقتة لا تعالج أصل المشكلة، بل تخفف أعراضها فقط.
لقد تعودنا في الإمارات أن نستشرف المستقبل، وأن نكون دائماً استباقيين في التعامل مع التحديات قبل أن تتفاقم، لذلك لا بد أن نعمل لإيجاد حلول واقعية لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، حتى لا نصل إلى نقطة يصعب فيها الإصلاح، وتستغرق المعالجة وقتاً وجهداً أكبر.
ومن وجهة نظري، اقترح أن يُعاد النظر في إصدار رخص القيادة، بحيث يتم وقف إصدارها مؤقتاً، كذلك فرض رسوم سنوية على السيارات تشمل استخدام الطرق، ونظافتها، وصيانتها، وإضاءتها، وتنظيم المرور، وخدمات الإسعاف، ومشروعات الاستدامة، وإنشاء الطرق الجديدة، ويُستثنى من هذه الرسوم المواطنون وإخواننا من المقيمين أصحاب المهن الحيوية والمهمة.
ما نواجهه اليوم ليس مجرد ازدحام مروري، بل أزمة توازن بين الواقع الحالي والمستقبل الذي نطمح إليه، وإذا لم نبدأ بالحل اليوم، فسنجد أنفسنا غداً نعيش في زحام بلا أفق، ندفع فيه جميعاً الثمن من وقتنا، وصحتنا، وجودة حياتنا.
ولعل الحل يبدأ بتشكيل لجنة وطنية مختصة تعيد تقييم نظام التنقل الحالي، وتقترح سياسات تنظيمية أكثر صرامة في منح رخص القيادة وترخيص المركبات، إلى جانب خطط مدروسة لتعزيز النقل العام، والحد من الاعتماد المفرط على السيارات الخاصة، ضمن رؤية شاملة تُوازن بين سهولة التنقل واستدامته.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







