مناورة جديدة

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

لا التاريخ، قريبه وبعيده، ولا الحاضر يشفع لجماعة «الإخوان المسلمين» حين يرتبط اسمها بأية مبادرة تزعم أنها تخلت عن نهجها العنيف المنقلب على أي أسس للاستقرار في المنطقة العربية والساعي لاختطاف مستقبلها بأية وسيلة وعبر أي تحالف.
وعلى هذا، تتأسس معظم ردود الفعل على ما سُمِّي بياناً صادراً عن الجماعة الإرهابية تزعم فيه حلّ نفسها واعتزالها العمل السياسي في مصر، مقابل أن تفرج السلطات المصرية عمّن تسميهم «الإخوان» المعتقلين السياسيين وتحقيق مصلحة وطنية.
البيان اللقيط الذي لم تتبنه الجماعة بأية وسيلة، ولم تنفِهِ، رغم انتشاره، وتوالي التعليقات عليه، يتعامل معه الباحثون في شأنها على أنه مناورة جديدة منها تستهدف منها اختبار ردود الفعل وجرّ السلطات المصرية إلى مساحة نقاش حوله لا تليق ب «الإخوان» التي لا يمكن اعتبارها فصيلاً سياسياً، وبالتالي لا وزن لما تطرحه وإن تستّر بالسياسة وقاموسها.
بيان من هذا النوع ليس جديداً، إذ سبق للجماعة أن طرحت مثله قبل نحو عامين. ورغم أنها لم تلقَ رداً من جانب السلطات المصرية، فإن البيان فجّر خلافاً داخل «الإخوان المسلمين» حين ادّعى بعض وجوهها أن أصحاب مبادرة اعتزال العمل السياسي لسنوات مقابل إخراج المعتقلين السياسيين، لا يمثلونها، ما كشف وقتها عن تعدد الجبهات داخل الجماعة وتوزعها على أكثر من عاصمة أو حاضنة في الإقليم وفي الغرب.
ولا يزال هذا الانقسام موجوداً، وربما عمّقه تحولات في علاقة بعض الحواضن أو العواصم بالجماعة وكفّ يدها عن الاستهداف الإعلامي لدول عربية، في ظل تغيّرات سياسية فرضت مصالحات وتقاربات سياسية بين مكونات الإقليم. في ظل هذه التحولات، غادر قادة وأعضاء في الجماعة بعض هذه الحواضن إلى غيرها في الغرب، أو على الأقل لم يعد لديهم مساحة الحركة التي توفرت لهم سنوات في بعض الدول منذ ثورة 30 يونيو/حزيران في مصر التي أسقطت حكم «الإخوان».
الأرجح أن هذا البيان من دلائل الانقسام في الجماعة، بل والصراع بين أجنحتها، وسعي واحد منها أو أكثر في توريط الفرقاء في خطوة من هذا النوع رغم علمه بعدم جدواها، وأنها لن تجد أي صدى في مصر أو غيرها. وربما تكون هذه المناورة محاولة للتغطية على أكبر من علامة للفشل الإخواني في الفترة الأخيرة، وأبرز دلائله الصدام الأحدث مع النظام الأردني وحلّ الجماعة في المملكة. وليس بعيداً عن هذا الفشل تصرفات بعض الحركات ذات الخلفية الإخوانية في قضايا سياسية أهمها ملف غزة بما يناقض شعارات رفعتها طويلاً، خاصة في التعاون مع أطراف دولية، وإبداء حُسن نوايا في بعض الملفات.
أياً ما كانت خلفيات البيان، ومصدره، فإن مآله كسابقه وما يليه، وهو كذب ادعاء «الإخوان» صلة بالعمل السياسي، أو زعم قطع الصلة بالعنف ورفض التفاوض، خاصة بعد فقدان السند الشعبي.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"