«اللسان المهاجر: اللغة العربية بلا حدود»، تحت هذا العنوان الأدبي والثقافي الذكي رَعَت هيئة الشارقة للكتاب فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للغة والثقافة العربية في مدينة ميلانو الإيطالية، ويشرف على تنظيم المهرجان معهد الثقافة العربية في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدّس بالتعاون مع مركز أبحاث اللغة العربية، بمشاركة نخب أدبية وثقافية عربية وأجنبية تشكل أكثر من 30 باحثاً وأكاديمياً من 18 دولة.
أكثر من جهة تتعاون، أو الأصحّ تتشارك، في المهرجان المكرّس للغة العربية وثقافتها الأدبية والجمالية في أوروبا والغرب عموماً. ومن بين المشاركين العرب في المؤتمر على مستوى الرواية نجمها الصحراوي، إن جازت العبارة، إبراهيم الكوني، والعراقية المقيمة في باريس صانعة اللغة الأدبية الصافية إنعام كجه جي، والناقد الأدبي التجديدي في قراءاته المعمّقة للشعر صبحي حديدي، وغيرهم من الأعلام والرموز.
العنوان الذي اختاره المؤتمر ليكون عتبة ثقافية لقراءة ومناقشة ظاهرة اللغة العربية في المهجر الأوروبي يحيل تلقائياً إلى إحدى قصائد محمود درويش، وفيها يقول «اللغاتُ تهاجر مثل البشر». واللغة لا تهاجر من تلقاء نفسها أو من تلقاء وجودها الأبجدي أو الإيقاعي، وإنما البشر الذين ينطقون باللغة هم الذين يهاجرون، وهناك، في مهاجرهم أو في كياناتهم الجغرافية والثقافية الجديدة، يقبضون بأرواحهم وبأقلامهم على لغاتهم الأم، ويصنعون منها ظاهرة ثقافية لها اعتباريتها الأممية في الغرب أو في أي مكان في العالم أصبح مكان هجرة.
ظاهرة اللسان المهاجر بدأت على مستوى الإبداع الأدبي مع بروز ما يسمى شعراء المهجر في أمريكا: إيليا أبو ماضي، وجبران، وميخائيل نعيمة، وغيرهم من كبار الأدباء اللبنانيين والمصريين الذين شكلوا جماعات أدبية مؤثرة في الأدبين العربي والأجنبي في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت تلك الظاهرة تقتصر على اللسان العربي الأدبي، والشعر بشكل خاص.
المختلف هنا في المهرجان الدولي في ميلانو هو استكشاف حضور اللغة والثقافة العربية في السياقات الغربية، وتعزيز فهمها وتفاعلها في بيئات عديدة، مثلما قال د. وائل فاروق، مدير معهد الثقافة العربية في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدّس في ميلانو، وهو المعهد المخصص في الكثير من أهدافه وروحه لمثل هذا الاستكشاف الذي أشار إليه د. فاروق.
جاء تأسيس المعهد في الجامعة بمبادرة من الشارقة، وضمن سياق أفكار مشروعها الثقافي الذي يؤكد في جوهره وفي أدواته هوية اللغة العربية وشخصيتها الثقافية بين أهلها والناطقين الأصليين بها، وبين الناطقين بها في العالم، إن كان مهجراً ثقافياً للكتاب العرب أو كان مهجراً جغرافياً للناس العاديين الذين تركوا بلدانهم لأسباب عديدة، واختاروا العيش والإقامة في أمكنة وبلدان أخرى.
يحمل العربي لغته الأم على ظهره كما يحمل حقيبته أو أحد أبنائه، ثم يهاجر جسداً أو جسماً بشرياً، لكن لغته تبقى في داخله، ولذلك فهو يكتب العربية ويفكر بها ويقدمها للآخر هوية تعريف بشخصيته الكونية في عالم خرائطي شبكي باللغات التي هي في الوقت نفسه هويات وتاريخ وذاكرة.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







