عن ترامب وزيارته

00:46 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

من الصعوبة بمكان لأي باحث أو متتبّع للأحداث أو محلّل سياسي أو اقتصادي، تجاهل زيارة دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة لعدد من دول الخليج العربي، وحضور اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنه ليس من الحكمة ولا من السياسة النظر إلى زيارته، كما ينظر إليها الجهلة، على أنها زيارة لجمع أموال الدول الثرية، لأنها زيارة سياسية بامتياز، وبما أن ترامب رجل اقتصاد وأعمال، فإنه يركّز على الصفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية. لهذا فإن فرحته كبيرة بالصفقات التي وقّعها مع كل من الإمارات والسعودية وقطر، ومرةً أخرى، يعتقد الجهلة أن دول الخليج ستقوم بدفع هذه المبالغ الطائلة فوراً، بينما هي عبارة عن استثمارات في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأخرى في مجال صناعة الطائرات المقاتلة، وثالثة في الاستثمار في القواعد العسكرية.
ولا شك أن الرئيس دونالد ترامب حقّق نجاحاً كرجل أعمال، ولكنه أيضاً حقق أهدافاً سياسية، والحديث عن رفع العقوبات عن سوريا رغم أهميته، إلا أن هناك قضايا أخرى تؤرق رئيس أكبر دولة في العالم، كصراعه مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، وإذا كان الصراع واضحاً مع الدول الثلاثة، والولايات المتحدة تديره منذ عقود طويلة، إلا أن العلاقات مع إيران هي التي تؤرقه، كما يؤرقه من دون أدنى شك الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقضية غزة والأسرى الأمريكيين والإسرائيليين، لكن العلاقة الأمريكية الإيرانية لا تزال ملتبسة حتى على حلفاء أمريكا وعلى رأسهم إسرائيل، وهذا ما يجعل نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يطلق بين فترة وأخرى تصريحاً جنونياً فيه الكثير من المغامرة، وكل تلك التصريحات تصب في قضية ضرب إيران، وذلك ليستدرج البيت الأبيض ليعلن موقفه الصارم تجاه إيران.
وأكثر ما استطاع نتنياهو الحصول عليه هو أن الإدارة الأمريكية جاهزة لأي عمل في حال فشل المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، ولم يحصل على تصريح واحد يخص إمكانية توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران، لذلك، يؤرقه أن يقوم نتنياهو بتوجيه ضربة كبيرة للمفاعلات النووية الإيرانية أو أي قواعد استراتيجية، وقلق دونالد ترامب نابع من أحد أمرين، الأول: كيفية الوقوف إلى جانب حليفه إسرائيل في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، إذا قررت إيران الدخول في حرب مع إسرائيل، والأمر الآخر، هو أن ترامب يشك في حصول إيران على القنبلة النووية، رغم تقارير الوكالة الدولية للطاقة التي لم تؤكد قدرة إيران على صناعة قنبلة ذرية.
نقول هذا الكلام رغم قناعتنا بأن إسرائيل لا يمكنها القيام بأي حرب أو خوض أي معركة إلا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لأنها ومن دون مبالغة تعتمد اعتماداً كلياً على الولايات المتحدة، في الدعم العسكري والتسليح، والجميع يعلم كيف أن الولايات المتحدة أنشأت جسراً جوياً في حرب أكتوبر 1973، حيث كادت إسرائيل أن تُهزم في تلك الحرب، وهذا موضوع آخر.
ويعلم الرئيس الأمريكي، كما كان أي زعيم للبيت الأبيض يعلم، أن الحرب مع إيران، إذا اندلعت، لن تتوقف عند الحدود الإيرانية، بل ستتعداها إلى الدول الواقعة على الخليج العربي والبحر الأحمر، وقد تتعرض دول مجلس التعاون لخسائر قد تكون فادحة، وأعتقد أن المباحثات المغلقة الثنائية أو الجماعية قد تطرقت بشكل أو بآخر للملف النووي الإيراني والسيناريوهات المتعلقة بأي حركة عسكرية أو حرب، وهناك سيناريوهات أيضاً إذا تم التوصل إلى اتفاق بين أمريكا وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، ما يعني أن هناك تكاليف حربية وسلمية للملف النووي.
أما باقي الملفات الأخرى كالوضع في سوريا، فإيران ستغادر سوريا بكل عديدها وعتادها، وقطعت شوطاً كبيراً في هذا الشأن، ولن نتحدث عن التسريبات بشأن العلاقات السورية الإسرائيلية، لأنها ستتضح في حينها، ولن يكون مفاجئاً إذا ما بدأت محادثات سلمية بين سوريا وإسرائيل، لأن الرئيس أحمد الشرع حين كان رئيساً لجبهة النصرة، لم يطلق تهديداً واحداً ضد إسرائيل، والبعض يقول إن جرحى مقاتلي جماعة النصرة كانوا يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية، أي أن العلاقة بين الطرفين ليست عدوانية، وهو ما سمح لبعض المحللين باستنتاج وجود مباحثات بين سوريا وإسرائيل، وأن سوريا ستنضم للاتفاقية الإبراهيمية.
ونعود إلى الخليج وزيارة ترامب عدداً من دوله، ونفي أن تكون الزيارة لجمع الأموال، لأنها في الحقيقة سيتم استثمار معظم الأموال المعلن عنها في مشاريع ضخمة، ما يعني أن دول المجلس ستستفيد من تلك الاستثمارات الضخمة في السوق الأمريكية، وهي سوق هائلة في إنتاجها واستيرادها وتصديرها، كما أنها سوق تتمتع بموثوقية عالية، إضافة إلى قوة الدولار الذي يكاد أن يصبح العملة العالمية.
بقي أن نقول إن الولايات المتحدة في حاجة إلى دول مجلس التعاون، مادياً وعسكرياً واستراتيجياً ولوجستياً، والعكس صحيح، بعد الحديث عن التراجع في الميزانية الأمريكية، وخطط الصين لشن حرب على الدولار، وبذلك تكون الفائدة مشتركة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وبيئياً، هذا ما يحدث بين الحلفاء، بوصف عدد لا بأس به من دول مجلس التعاون حليفاً للولايات المتحدة.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"