أبدان تنقل الفساد

02:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كم تساوي حياة الإنسان؟ البعض يرى أن حياته لا تقدّر بثمن، فهي أمانة يتحمّل مسؤوليتها، ويحافظ عليها، ويبنيها بحرص، ويزينها بأجمل المزايا، ويستعدّ كل يوم ليخرج بها إلى المجتمع، لتكون إضافة، ويفخر بأنها ستترك بصمة ولو صغيرة ولكنها إيجابية ومفيدة بشكل ما للآخرين.. بينما البعض الآخر يرى أن حياته أهم من حياة الآخرين؛ لذلك يسعى لبنائها وتشكيلها على حساب الناس جميعاً، غير عابئ بما قد يسبّبه من أذى لأفراد محيطين به وهو على احتكاك مباشر بهم، أو لأشخاص لا يعرفهم وربما لن يلتقي بهم، فبمجرد مروره من هذا المكان أو تعامله بشكل مباشر أو غير مباشر مع مَنْ فيه، يسبّب ضرراً قد يصل إلى حد الخطر والموت.
حرٌّ كلّ إنسان في تقييم حياته وما تزنه في ميزان الدنيا والآخرة، لكن حريته تنتهي عند حدود انعكاس هذا التقييم على الآخرين، وما قد يسبّب لهم من ضرر، مثلاً هناك من يجازف بحياته مقابل حفنة من الأموال، فيحوّل بدنه أو بالأحرى أحشاءه إلى حقيبة تنقل المخدرات لتعبر بها القارات، معتقداً أنه سيتمكّن من خداع أجهزة التفتيش والخروج من المطار سالماً ومحملاً بكميات كبيرة من الحبوب المخدرة لتسليمها إلى التجار، ومنها إلى المستهلكين الذين يكونون في الأغلب من الشباب والأطفال.
كم محاولة من هذا النوع فشلت في الإمارات؟ آخرها كان يوم الجمعة الماضي؛ حيث حاول أحد القادمين من إحدى دول أمريكا الجنوبية تهريب 89 كبسولة كوكايين عبر مطار أبوظبي الدولي؛ جازف بصحته أولاً، وبحياته ثانياً، ليعبّئ 1198 جراماً من حبوب الكوكايين في أحشائه، والتي بلغت قيمتها السوقية خمسة ملايين درهم، وكلّه أمل طبعاً في الخروج من المطار بسلاسة لتسليم البضاعة إلى التجار، ونشر الفساد والإدمان في المجتمع!.
فاجأته الإدارة العامة للمنافذ بالهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، وتحديداً فريق التفتيش الجمركي بمطار زايد الدولي، بالاشتباه فيه، وتحويله للعرض على أجهزة الفحص المتطورة، والتي كشفت عن وجود أجسام غريبة داخل جسده.. ربما لم يكن على علم بوجود أجهزة الكشف عن المخدرات في الأحشاء بواسطة الفحص الإشعاعي، أو أنه تجاهل كل المعلومات التي تؤكد براعة الأجهزة الأمنية في الإمارات وكفاءتها العالية في التفتيش، وكشف وضبط كل من يحاول التسلل عبر المنافذ والحدود وتشكيل أي خطر على سلامة وأمن الدولة والمجتمع!. حرٌّ هو في هدم حياته الشخصية والتضحية ببدنه ونفسه من أجل حفنة من المال، لكنه لن يكون أبداً حراً في حمل البلاء على الناس.
مهام الأجهزة الأمنية باتت أصعب؛ بسبب اتساع وتنوع المنافذ التي يحاول اللصوص والمجرمون التسلل من خلالها، المعابر التقليدية أي البرية والبحرية، والمعابر الإلكترونية؛ لا يكلّون من محاولات الوصول إلى الناس لهدم المجتمعات والتأثير في العقول، ويستهدفون تحديداً الشباب والأطفال، للتأثير سلباً فيهم؛ لأنهم بناة المستقبل.

[email protected]

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"