عاش الفاتيكان في الشهر الأخير أياماً أمريكية يمكن اعتبارها سمة مميزة للانتقال بين مرحلتي البابا الراحل فرنسيس وسلفه البابا ليو الرابع.
وفي الحالتين: غياب فرنسيس، وتنصيب ليو، حرص العالم على مشاركة المؤسسة الدينية البارزة في الفاتيكان مشاعر الفقد ثم الأمل، لا من باب الواجب البروتوكولي فقط، وإنما أيضاً ما يمكن اعتباره الحاجة الجماعية إلى هدنة إنسانية تعود فيها البشرية إلى طبيعتها الممزقة بين الحروب والصراعات في أكثر من موضع، وإعادة تغليب قيمة الإنسان على ما سواها.
ومعظم الأمل في ذلك معقود على الدور الأمريكي المشتبك مع كل الملفات الساخنة في العالم، وفي المقدمة ملفا غزة وأوكرانيا بالترتيب العربي أو الشرق أوسطي، وأوكرانيا وغزة وفق الأولويات الأوروبية، وإن الجميع متضرر من الأزمتين، متفق على وجوب إنهائهما في أقرب وقت.
والأزمتان تحديداً حضرتا في شهر الفاتيكان الأخير، أولاً فيما يشبه الوصية على لسان البابا الراحل في أيامه الأخيرة حين عبّر عن الأسف لما يجري في غزة، داعياً أطراف النزاع إلى وقفه، وثانياً في كلمة البابا ليو في حفل تنصيبه وإشارته إلى مجاعة غزة، ودعوته إلى السلام في أوكرانيا، وغيرهما.
ومن المفارقات أن يكون البابا الجديد أمريكياً لأول مرة في تاريخ الفاتيكان، بينما التعويل الأكبر على الدور الأمريكي، رغم الاختلاف المعروف في أدوات الحبر الأعظم ومؤسسات الحكم الأمريكية، أي بين التجرد والروحية المطلقة التي لا تملك إلا قوة الأمل والدعاء، وبين المراوغات والبراغماتية السياسية ولغة المصالح.
وحاجة العالم بلا شك أكبر إلى الخيار الأول: الروحية وهدأة النفس والسلام، غير أن طبيعة السياسة ومساراتها لا تعترف بذلك، بل إنها تخاصمه إلا في ما ندر. وسيبقى النزاع بين الاتجاهين قائماً، وإن كانت الغلبة دائماً للسياسة الساعية إلى توظيف دعاة الروحية لمصلحتها والاستفادة من رموزها. وهو المعنى الذي أتى عليه البابا ليو في حفل تنصيبه حين قال، إن الإيمان أضعف من السلطة والتكنولوجيا والمال والنجاح واللذة، وهو ما يقود إلى مآسٍ.
في شهر الفاتيكان الأخير الذي عرف الأيام الأمريكية، زار جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الفاتيكان واحتفل بعيد الفصح رفقة البابا فرنسيس. وغداة تنصيبه، استقبل البابا ليو جي دي فانس في الفاتيكان، و«تبادلا وجهات النظر حول بعض المواضيع المتعلقة بالوضع الدولي الحالي مع رجاء احترام القانون الإنساني والقانون الدولي والتوصل إلى حلول تفاوضية بين الأطراف في مناطق النزاع».
وبين هذين اللقاءين، كانت الصور المصطنعة التي راجت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزي البابا، قبل اختيار ليو، ما أثار جدلاً حول مغزاها، وإن كان ترامب يريد الجمع بين الزعامتين الدينية والسياسية، أو أنه كان على علم بأن الحبر الأعظم المنتظر أمريكي.
إن العالم لن يسيّر أموره بالقوة الروحية للبابا ورموز كل الأديان، ولا يمكن استمرار أشكال الهيمنة الأخرى.. ما يحتاج إليه ساسة بقلوب مؤمنة.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







