العودة إلى نفس النمط

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

في لحظة صفاء، قد تجلس مع نفسك وتتساءل: «لماذا أعود إلى نفس النمط؟ لماذا أكرر نفس الخطأ، رغم أنني وعدت نفسي بالتغيير؟».
سواء كان الأمر يتعلق بعادة سيئة، أو بخيار عاطفي، أو قرار مهني، يبدو أن هناك خيطاً غير مرئي يربطنا ببعض أخطائنا، مهما حاولنا الفكاك منها.
علم النفس يصف هذه الظاهرة باسم «حلقة التكرار»، وهو مصطلح صاغه طبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد، ليشرح ميل الإنسان، دون وعي، لإعادة التجارب المؤلمة أو المزعجة، حتى لو كان يعرف أنها تؤذيه. والغريب أن الدافع وراء هذا التكرار ليس الحماقة أو الضعف، بل في كثير من الأحيان محاولة لا واعية «لإعادة كتابة النتيجة»، كأن العقل يسعى لصياغة نهاية مختلفة من خلال إعادة نفس القصة.
في دراسة نشرت في مجلة «الطب النفسي والعمليات التفاعلية والبيولوجية»، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين مروا بتجارب سلبية في الطفولة، مثل الإهمال العاطفي، أو العلاقات غير المستقرة، يميلون في البلوغ إلى تكرار أنماط العلاقات نفسها، حتى مع معرفتهم بخطورتها. هذه السلوكيات لم تكن ناتجة عن رغبة واعية، بل عن برمجة عاطفية قديمة، تبحث عن الألفة في المألوف، حتى وإن كان هذا المألوف مؤذياً.
التفسير هنا ليس مبرراً بقدر ما هو كاشف، فالعقل البشري لا ينجذب فقط لما هو «صحيح»، بل لما هو «معتاد عليه». والاعتياد لا يتطلب أن يكون مفيداً، بل فقط أن يكون معروفاً. لذلك، قد نختار ما يوجعنا، لأننا لا نعرف، بعد، كيف نثق بما لا يؤلم.
لكن إدراك هذا النمط هو أول خطوة للخروج منه. نحن لا نعيد الأخطاء، لأننا لا نعرف الأفضل، بل لأننا لم نواجه بعد الجذر العاطفي الذي يقودنا إلى التكرار. ما لم نراجع الأسباب العميقة وراء سلوكنا، سيظل التغيير سطحياً، وسنجد أنفسنا نعيد نفس السيناريوهات بأسماء مختلفة.
الأخطاء لا تعني الفشل، لكن تكرارها دون تأمل قد يعني أننا لا نصغي جيداً، لما تحاول أرواحنا أن تخبرنا به. والتقدم الحقيقي لا يحدث حين نتوقف عن السقوط، بل حين نبدأ في السقوط في اتجاه جديد، نتعلم منه شيئاً مختلفاً.
وفي نهاية كل تجربة متكررة، هناك فرصة لفهم أعمق، لا لتوبيخ النفس، بل لمصالحتها؛لأن كسر النمط لا يحتاج إلى قوة هائلة، بل إلى لحظة وعي صادقة تغير كل شيء.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"