عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الجلي».. الحرف يرتقي بالروح

16:12 مساء
قراءة 3 دقائق
الخطاط العراقي مثنى العبيدي

الشارقة: عثمان حسن

تتواصل إبداعات الخطاط العراقي مثنى العبيدي في الخط الثلث بأنواعه المختلفة، خاصة الثلث الجلي، كما هو في اللوحة التي أمامنا، والتي اختار لها نصاً منسوباً للخليفة عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه: «من كثر شكره كثر خيره».


في اللوحة التي أمامنا نقف عند حرفية خاصة في كتابة الثلث الجلي، هذا الخط المعروف بتراكب أو تشابك حروفه وتداخلها من أجل تكوين شكل بصري متوازن مفعم بمزيد من العناصر الجمالية شكلاً ومضموناً.

أول ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة، هو الكتابة من أسفل إلى أعلى بحسب ترتيب النص (من كثر شكره كثر خيره)، ومن يدقق في اللوحة يلحظ مهارة فائقة عند الخطاط في كثير من التفاصيل، التي تجمعها تلك الحركة الانسيابية للحروف، وكأنها تسير في موجات أو مسارات موجهة، أو كأنها تتراقص في تناغم وتوازن بصري بحيث لا يطغى جانب على آخر، هذا الإيقاع البصري في اللوحة يمكن تتبعه من خلال تلك الحركة الديناميكية التي تتوازن من خلالها الحروف المرتفعة والمنخفضة مع الانحناءات، لتشكل في نهاية المطاف تكويناً جمالياً معززاً بكافة عناصر الإبهار الشكلي أو الفني.

تكوين

 


في اللوحة يمكن الوقوف عند حرف الكاف الذي يرد ثلاث مرات في النص في الكلمات (كثر) و(شكره) و(خيره).. وهنا، كان حرف الكاف في أحواله الثلاثة متناسقاً، خاصة في انحناءات وميل نهايته كما هو واضح في الشكل، نجد هذا التناسق الجمالي بارزاً كذلك في حرف الهاء في كلمتي (شكره) و(خيره).


أما حرف الشين في كلمة (شكره) فكان متميزاً، ليعبر عن المعنى الروحي الذي يفيده النص، فقدمه مثنى العبيدي كبير الحجم، وبدا خارجاً من عرض اللوحة في دلالة واضحة على قيمة الشكر التي تؤول في نهاية المطاف إلى كثرة الخير، هذا الخروج الظاهر لحرف الشين شكل دعامة أساسية في بنية تكوين اللوحة، وكأن الشين هنا، شكلت دعامة أساسية لبنية التركيب أو التكوين الخطي، صعوداً إلى نهايات تشكل الحروف وتشابكها من خلال وعي فني مدروس ومبهر.


هذا التكوين الجمالي الظاهر في اللوحة، نجده في أكثر من جانب، ومن ذلك انسيابية الحروف التي تبدو مطواعة حال تشكيلها في فضاء النص، وأيضاً في قدرة الخطاط على تكوين اللوحة بمراعاة توازن الكتل السوداء مع الفراغات، وكذلك في تلك الحروف السميكة والواضحة التي منحت الكتلة الخطية، إن جاز التعبير، شكلاً انسيابياً واضحاً.


تحققت في اللوحة التي أمامنا جماليات الثلث الجلي، وتجلى ذلك في الكثير من تداخلات الحروف وتراكبها، وأيضاً في تلك الزخارف التكميلية التي أثرت جمال الشكل البصري، واستخدام الخطاط العبيدي لتقنية تراكب أو تشابك الحروف كان متقناً، وكأننا أمام وحدة شكلية أو زخرفية، لكنها مصممة بأسلوب جمالي بسيط، سهّل على القراء والمشاهدين متابعة قراءة النص بكل سهولة ويسر.

رمزية اللون

 


حرص العبيدي على كتابة هذا النص باللون الأسود، والأسود هنا، يزيد من قوة ودلالة الحرف المخطوط، كما حرص على أن يكون هذا النص في داخل أرضية من اللون البني، هذا اللون الذي يحمل الكثير من الرمزية، فهو لون أرضي يرمز إلى الأرض والخلق، وهو يفيد معاني التواضع والثبات، كما يتم اختياره من قبل جمهور الخطاطين بسبب تماشيه مع القيم الإسلامية التي تفيد معاني الراحة والهدوء، حيث الأمن هو ملجأ الناس من فوضى العالم الخارجي، نحو مزيد من الشعور بالاستقرار والسكينة.

إضاءة

 


مثنى العبيدي، خطاط عراقي ولد في الرمادي سنة 1972، حاصل على بكالوريوس في علوم الكيمياء، جامعة بغداد 1995، درس الخط العربي والزخرفة الإسلامية في بغداد، وكان عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية الخطاطين العراقيين، وعضو شرف في جمعية القرّاء والمجودين العراقيين، وعضو لجنة التحكيم في ملتقى الفن الإسلامي في مسقط لعام 2011، قام بزخرفة المصحف الخاص بدولة العراق سنة (1998-2000)، وقام بتنفيذ رسم وكتابة المخطوطات العربية من الحجم الكبير على جدران مجلس الوزراء العراقي (2001-2003).


حائز على كثير من الجوائز والتكريمات في كثير من ملتقيات الخط العربية والدولية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"