صديقك من التلفاز

02:22 صباحا
قراءة دقيقتين

قد تجد نفسك تبكي على مشهد وداع في مسلسل ما، أو تشعر بالحنين لشخصية من رواية، أو تستحضر موقفاً لشخصية كرتونية في لحظة واقعية من حياتك. ربما تجد في هاتفك صوراً لشخصيات لم توجد يوماً، أو تتابع أخبار عمل فني قادم فقط لأن بطله شخصية خيالية أثّرت فيك. هذه العلاقة العاطفية العميقة التي نكوّنها مع شخصيات غير حقيقية تُثير سؤالاً فلسفياً ونفسياً وهو: لماذا نتعلق بها بهذا الشكل؟ الجواب يرتبط بما يُعرف في علم النفس الاجتماعي «العلاقة شبه الاجتماعية»، وهي نوع من الارتباط العاطفي الذي ينشأ بين الإنسان وشخصية خيالية أو عامة، دون أن يكون هناك تواصل فعلي.
هناك دراسة نُشرت في مجلة Human Communication Research عام 2004 للباحث جوناثان، تناولت كيف يمكن للتعلق النفسي بالشخصيات التلفزيونية أن يلبّي حاجة الإنسان للتواصل والارتباط، وتوفر شعوراً بالألفة والرفقة، حتى في غياب العلاقات الواقعية القوية.
تشير الدراسة إلى أن المشاهدين يطورون علاقات عاطفية قوية مع الشخصيات التلفزيونية المفضلة لديهم، وأن انتهاء هذه الشخصيات من البرامج يمكن أن يؤدي إلى مشاعر حزن وفقدان تشبه تلك المرتبطة بانتهاء العلاقات الحقيقية.
هذه الدراسة سلطت الضوء على كيفية تفاعل العقل البشري مع الشخصيات الخيالية، بشكل يشبه التفاعل مع الأشخاص الحقيقيين، مما يدعم الفكرة القائلة بأن العقل لا يميز تماماً بين ما هو مرئي وما هو واقعي، عندما يتعلق الأمر بالمشاعر.
الأمر لا يتعلق بالخداع أو الوهم، بل بالتعاطف. نحن لا نحب الشخصية لأنها حقيقية، بل لأنها صادقة في عرض مشاعرها، وكأن الشخصية الخيالية تمنحنا مساحة آمنة لنستعرض مشاعرنا دون تهديد، نعيش معها الخسارة والانتصار، الفرح والانكسار، وكأنها مرآة نرى فيها أنفسنا بطريقة لا تسمح بها الحياة الواقعية دائماً.
كما أن الشخصيات الخيالية كثيراً ما تتجاوز الواقع في صراحتها، وعمقها، وتحولاتها. وهذا ما يجعلها أحياناً أقرب إلينا من بعض الناس حولنا. نحبها لأنها تشبهنا أو تشبه ما نريد أن نكونه، لأنها تمنحنا فرصة لتفريغ مشاعر مركبة في قصة نستطيع أن نغلقها حين نريد، دون عواقب.
ورغم ذلك، من المهم أن نبقي هذه المشاعر في إطارها الصحي، أن نذكّر أنفسنا بأن الحياة الحقيقية، بكل عفويتها وتعقيدها، هي المجال الذي تُصقل فيه علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"