عبء الفهم

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

حين نمر بتجربة غامضة أو مؤلمة أو حتى عادية، كثيراً ما نطرح سؤالاً مباشراً أو ضمنياً: «لماذا حدث هذا؟» هذا الميل البشري للبحث عن تفسير، ومحاولة فهم ما يدور حولنا، ليس مجرد فضول فكري، بل سلوك فطري متجذر في أعماق النفس. نحن نبحث عن المعنى، ليس فقط في الأحداث الكبيرة، بل حتى في التفاصيل الصغيرة اليومية: نظرة عابرة من شخص، أو جملة قيلت عرضاً، أو تأخّر مفاجئ في رسالة.
هذا الميل يُعرف في علم النفس بالنزعة للبحث عن المعنى، وهو مفهوم ناقشه عدد من علماء النفس، من بينهم «مايكل ستغير»، الذي أشار في أبحاثه إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش حياة متوازنة دون أن يشعر بأن ما يفعله يحمل دلالة أعمق.
لكن لماذا لدينا إصرار على أن لكل شيء معنى؟ ولماذا نصاب بالحيرة والقلق عندما لا نجد تفسيراً واضحاً لما يحدث؟
السبب يكمن في أن المعنى يمنحنا الإحساس بالسيطرة. فعندما نفسر الأشياء، نشعر بأن العالم أكثر قابلية للفهم، وأن الأحداث ليست عشوائية بالكامل. هذه الرغبة تعزز لدينا الإحساس بالأمان والاستقرار. ولهذا السبب، حتى في أكثر اللحظات قسوة، لا نسأل فقط «ماذا حدث؟»، بل «لماذا حدث؟»، وكأننا نفاوض الواقع ليعطينا إجابة تخفف الصدمة.
ولأن العقل البشري لا يحب الفراغ، فهو يملأه بالتأويل. قد نفسر الحظ، والنجاح، والفشل، وحتى الصمت على أنه رسالة. لا نُحب أن نعيش في عالم عبثي، فنحن – دون وعي – نمنح الأشياء معاني لتكون الحياة أكثر احتمالاً.
لكن السعي المفرط للعثور على المعنى قد يتحول إلى عبء. حين نفرط في التحليل، ونعطي كل تفصيل قيمة أكبر من حجمه، قد نقع في فخ الإرهاق الذهني، أو نصاب بخيبة إذا لم نجد إجابة. لذلك، من الحكمة أن ندرك أن بعض الأشياء تحدث بلا رسالة واضحة، وبعض الأحداث ليست درساً بقدر ما هي تجربة عابرة في مسار أطول.
في المقابل، المعنى يجب ألا يُمنح لنا من الخارج فقط. بإمكاننا أن نمنح نحن الأشياء معناها. أن نُقرر أن لحظة صمت كانت مساحة راحة، أو أن تأخراً ما كان فرصة للتأمل. حين نكون نحن من يخلق المعنى، لا من يبحث عنه فقط، نصبح أكثر توازناً وحرية.
في النهاية، لا بأس أن نسأل «لماذا؟»، لكن الأهم هو أن نُقرر «كيف» نواصل، حتى وإن لم نجد الجواب بعد. فالحياة لا تُقدم دائماً تفسيراً، لكنها تمنحنا دوماً فرصة لصنع ما هو أعمق: المعنى الذي نختاره نحن.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"