في تحقيق رمزية الأعلام

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما لك تائهاً هائماً، منذ ساعة، في مؤلفات التراجم والكتب والأعلام، من «الفهرست» لابن النديم، إلى «كشف الظنون» لحاجي خليفة، إلى «الأعلام» للزِّرِكلي؟كيف نمتَ عن شجون اليوم، وتنبّهتَ لشؤون الأمس؟ قال: أنت لم تدرك مرامي، فما أنت إلاّ المخطئ الرّامي، لقد أوحش نفسي وشغل بالي، والأمّة في زماننا نفوسها مئات الملايين،كثرة أعلام أهل القرون الخالية، بينما هذه السنون من شامخات العبقريّات خالية، إلاّ من ديار تنهال على رؤوسها نيران بلا حساب ولا عقاب، ولا حتى عتاب،كأنها ألعاب بين الأتراب.
إن صدقتِ الإحصائيات التقديريّة التقريبيّة، فإن عدد سكان الكوكب جميعاً، في العام الميلادي الألف،كان أربعمئة مليون نسمة، أي نفـــوس العالـــم العربي اليوم. كان ذلك في العصر العباسي الثالث، الذي ابتدأ بالمستكفي بالله، وانتهى بالقائم بأمر الله، وكان عهد البويهيين حقبة ضعف ووهن. قبل ذلك بقرنين، في العصر العباسي الأوّل، في خلافة هارون الرشيد والأمين والمأمون، العصر الذهبي،كانت نفوس العالم كله عشرين ومئتي مليون نسمة، فكم كان عدد أهل الخريطة العربية؟ مع ذلك كان عدد الأعلام في جميع الميادين مذهلاً. هكذا ندرك البون البعيد بين الأمّـــة القويّة الجاذبة، والأمّة المنهكة الطاردة حتى لعقولها. ما على الذكرى ملام..فتذكّر وتفكر والسلام..ولْتقلها شادياً لحن هيام: ذكريات عبرت أفق خيالي.الذكرى نافعة لأنها مفعمة بالعِبر، ففي ذلك العصر كانت الأمّة قادرة هادرة، بالعقول النادرة، غير خادرة ولا سادرة، في كل أمر لها مبادرة بادرة، وأوامر صادرة.
أجمل ما في الأعلام رمزيّتُها.من جمال العربية وجمائلها، جماليّات ذوقها في الانتقاء، فالأعلام الجبال، والأعلام رايات الأوطان وبيارقها، والأعلام العقول العبقرية النابغة إبداعاً واختراعاً، وريادةً وقيادة. لكن هذه الرموز والرمزيات وراءها ذوق فيه فرادة ذات فرائد، فلغتنا اشتقّت الأعلام من العين واللام والميم، جذر لغويّ فيه العِلْم والتعليم والتعاليم والإعلام والمعلوماتية والعالَم والمعالم...ما الذي نتمناه أكثر من أن تنجب لنا الأمّة ما يملأ البرّ حتى يضيق عنّا، من الأعلام في كل علوم الكون والأرض، والعلوم الإنسانية،سياسةً واقتصاداً ومعارف، ولْيزددْ ضيقاً بأعلام التعليم والإعلام والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي،أعلام سامقة شاهقة في البرّ كالأعلام، في هاماتها نيران المهابة والصلابة، وفي البحر كالأعلام في رؤوسها منارات تهدي الأمم إلى قمم القيم.
لزوم ما يلز:م: النتيجة الإشراقيّة: كل الشعوب تتساوى في ما تراه من النجوم في سمائها، لكنها لا تتساوى في عدد ما لديها من النجوم على أرضها.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"