لنقرّ أوّلاً بأنّ اللبنانيين مطمئنون، لفتح نوافذ وطنهم على المحيط العربي الشقيق، وتحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ودول الخليج ودول العالم باحتضانهم الأجيال اللبنانية عند المحن. قد يصعب تصديق وقبول هول المتغيّرات العسكرية والجغرافية والاجتماعية الهائلة والشديدة العقد والمسؤوليات والأثقال التي أورثت مفاجآت ديمغرافية مربكة في لبنان، لا في الضاحية الجنوبية والجنوب، حيث كاد الفراغ في قصر بعبدا، ينهش بقايا الدولة وأهالي الجمهورية بصيغهم المتعددة.
لنقرّ ثانياً أيضاً بالجاذب الملحوظ لخطاب القسم، برنامج «العهد الجديد» لرئيس الجمهورية جوزيف عون الذي خطف الانتباه العام للبنانيين والخارج بعد حروب الإسناد الضخمة وتيمّناً بالمحيط الشقيق والعالمي المترقب. صحيح أن الرصيد الضخم الذي يبسط مساحات الثقة والاطمئنان راح يتركّز بوصول قائد الجيش جوزيف عون إلى قصر بعبدا بعد قيادته الصبورة والصامتة والهائلة المسؤوليات لجيش لبناني قوامه 72 ألف ضابط وجندي إذ كابد الرجل بالحبر الصريح الصارخ أعقد الظروف ومجابهة المستحيلات، حفاظاً على وحدة المؤسسة وكرامة عديدها وضباطها في مرحلة معقدة كنّا في قلبها. لا يمكن بصراحة، تصور إمكانية ضبط وحدة هذا الجيش وصبر عديده وحاجاته، بعدما مللنا ونحن نتساءل ونناقش سرّاً تلك الحقبة الغابرة من الحكمة والتفاني في تاريخ لبنان بعدما وصل راتب الجندي إلى ما يُعادل 12 دولاراً.
ويقفز أمامي سؤال ملح على ارتباط هنا بالانتخابات البلدية والاختيارية:
أطرحه بقوة لتجدّد تنازع اللبنانيين الحاد المقلق طائفياً ومذهبياً عبر أعراس غير مريحة قطعاً بالتشطيب والإلغاء والخطب والتصريحات المذهبية، مع أنها لم تنته بعد مع تفاقم ردود الفعل الشعبية الطائفية والمذهبية التي تجعلك تدوّن أمامك عنواناً طبيعيّاً هو: خروج اللبنانيين بالمكبوت الخطير كلّه وردود الأفعال الطائفية في الخيارات والمواقف الحادة المعلنة، توخيّاً للانتباه والتنبيه برصد المستقبل وتوضيبه بعيداً من الماضي المثقل بالقلق والتنافر والاختلاف والحروب والأمر خاضع منّا جميعاً للاهتمام الكبير لا للتأجيل.
السؤال الأكبر: ما العدد الحقيقي والنهائي للأحزاب في ساحات الجمهورية اللبنانية فخامة الرئيس؟
الجواب بنقرةٍ بسيطة على «الغوغل:»
لبنان: خارج القائمة، أمريكا:2، بريطانيا:2، ألمانيا:3، إيران: 1، إيطاليا:3، تونس:4، الجزائر:2، النمسا:2، استراليا:2، تركيا:1، البحرين:1، البرازيل:1، البرتغال: 1 استراليا 2، فرنسا: 408 أحزاب، 25 منها ممثل في البرلمان وبسبب نظام الحزبين يسيطر فقط حزبان هما الجمهوري والاشتراكي.
لبنان ليس خارج القائمة. أحصيت في بحث مع طالباتي وطلابي وكنت أستاذاً ومديراً لكليّة الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، 772 حزباً وجمعية وتجمعاً وتكتلاً.
لماذا إذن؟ وهل سيبقى لبنان خارج القوائم المنضبطة حزبياً خلافاً لدول العالم؟
كان من المستحيلات عليّ تحديد العدد الفعلي رسميّاً لمن يتعاطى منتظماً العمل السياسي مباشرةً ومن دون رقابة في لبنان.
لماذا؟ لأن غريب وعجيب مقيم في القوانين اللبنانية اسمه: «علم وخبر»في تأسيس الجمعيات والأحزاب. تكتفي دولتنا ب 5 من المواطنين اللبنانيين، لأن يتجمّعوا في مقر أو دارة تحدوهم الرغبة بممارسة الحياة السياسية ونشر الآراء والمواقف في وسائل الإعلام، أن يتّخذوا لهم اسماً وعنواناً ويتقدّموا بطلبٍ مباشرة إلى وزارة الداخلية، أو عبر محام مسجّل في نقابة المحامين ويُعلمون الدولة عبره بطلب يُسجّل رسميّاً هناك عن نيّتهم مباشرة الأنشطة السياسية والاجتماعات الدورية، وإصدار البيانات والمواقف والتصريحات. وعند أخذ العلم تهطل التصريحات.
أوكلت إلى طلاّبي، تفكيكاً للمعضلة الوطنية، رصد 4 صحف هي: «النهار»و«السفير»و«الأنوار»و«اللواء» لاحتساب أعداد الأحزاب والتجمعات الحزبية والجمعيات التي نشرت نصوصاً ومواقف لبنانية وسياسية رسميّاً، عبر وسائل الإعلام، تعليقاً على حدثين بالغي الأهمية في المجال العام اللبناني: اغتيال الرئيس بشير الجميل أولاً، وموت أو مقتل باسل ابن الرئيس السوري حافظ الأسد في حادث سيارة في دمشق ثانياً.
جاءت النتيجة رصد 772 حزباً وتكتلاً وتجمعاً وجمعية تتعاطى السياسة في بلد صغير لا حدود له وقد لا تُحصى فيه أساساً الطوائف والمذاهب.
لست بصدد التفصيل مذكّراً بتاريخ الجمهورية التي توالى على رئاستها تباعاً أربعة من قادة الجيش اللبناني الوطني، فؤاد شهاب، إميل لحود، ميشال سليمان، ميشال عون بعد عودته من فرنسا، وللمصادفة كنت وما زلت أحد مؤسسي«الهيئة الاستشارية للدفاع الوطني» التي أطلقها العميد الركن علي حرب مدير التوجيه في الجيش اللبناني منذ 1989 إثر الهجوم السوري بالطيران على القصر الجمهوري ومغادرة الجنرال ميشال عون إلى فرنسا، بعدما مكث في السفارة الفرنسية في لبنان 9 شهور بترتيب رينيه آلا السفير الفرنسي آنذاك. وللتذكير، قبل توضيب حقائبه للخروج من قصر بعبدا في 20 سبتمبر/أيلول 2022، أفصح ميشال عون أمام سفراء الاتحاد الأوروبي بأنّه من الصعب إدارة الدولة بثلاثة رؤوس.
وقع الفراغ المقيت في القصر الجمهوري، وفي تقديري أنّ عون قلّص عدد الرؤوس الذي راح يتجاوز المعقول مستنداً إلى المناقشات السريّة التي لم تنشر بعد منذ اتفاق الطائف، إلى العديد من الوثائق والقصص بحوزتي والتي رافقت ولادة الدستور الجديد في رحم الطائف السعودي والدولي والذي لم يخبُ احتضانه، بل متغيرات نصوصه في لبنان نهائيّاً منذ إقراره في 1989.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







