ربما مرّت سنوات على ذلك الموقف الذي تعثرت فيه أمام الناس، أو نسيت اسم شخص مهم في لحظة غير مناسبة، أو ارتبكت في حديث علني. ومع ذلك، ما زالت تلك اللحظة تعود إلى ذهنك بين حين وآخر، بكامل تفاصيلها ومشاعرها. في المقابل، قد تكون نسيت تماماً مناسبات ناجحة أو لحظات فخر أنجزت فيها شيئاً مهماً. السؤال هنا: لماذا يعلق الإحراج في الذاكرة بهذا الشكل القوي، بينما تمر لحظات النجاح بهدوء أكبر؟ تفسير هذا السلوك يعود إلى ما يُعرف في علم النفس بالتحيز السلبي، وهو ميل العقل البشري للتركيز على التجارب السلبية أكثر من الإيجابية، وتخزينها بعمق في الذاكرة. هذا التحيز له جذور تطورية، حيث كان الانتباه للمواقف الخطرة أو المحرجة يساعد الإنسان القديم على تجنّبها مستقبلاً، وبالتالي يحافظ على بقائه.
دراسة شهيرة بعنوان «السيئ أقوى من الجيد» نُشرت عام 2001 في مصادر متعددة مثل موقع research gate استعرضت أدلة من مجالات متعددة في علم النفس، مثل العلاقات الشخصية، والتعلم، والذاكرة، والتفاعل الاجتماعي، والمزاج. وتخلص إلى أن الأحداث السلبية لها تأثير أقوى وأكثر دواماً من الأحداث الإيجابية، فعلى سبيل المثال، يتم معالجة المعلومات السلبية بشكل أعمق، وتترك انطباعات أقوى، وتؤثر بشكل أكبر على السلوك والقرارات. كما أن المشاعر السلبية، مثل الحزن أو الإهانة، تُخزّن في الذاكرة لفترة أطول من المشاعر الإيجابية، ما يجعلها أكثر تأثيراً على المدى الطويل.
لكن المشكلة أن هذا التحيّز يجعلنا أحياناً أسرى لذكريات غير منصفة. نحن لا نتذكر فقط الموقف، بل نعيد الشعور كما لو أنه يحدث مجدداً، ونحكم على أنفسنا من خلال لحظة واحدة متوترة، ونتجاهل عشرات اللحظات التي تصرّفنا فيها بذكاء وثقة.
من المفيد أن ندرب أنفسنا على إدراك هذا التحيز عندما يظهر، أن نذكّر أنفسنا بأن الموقف الذي نراه كبيراً في ذاكرتنا قد لا يكون عالقاً في أذهان الآخرين إطلاقاً، وأننا، مثلهم، ننسى بسرعة، ونغفر دون أن ننتبه.
أكثر من ذلك، يمكننا أن نستخدم الإحراج كأداة للنضج، لا كجلد للذات، أن نضحك على أنفسنا أحياناً، ونتذكّر أن الكمال غير موجود، وأن الأخطاء، مهما كانت محرجة، ليست نهاية العالم.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







