شيء ما عن عرس اللغات

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

عاش الكاتب العُماني أحمد الرحبي في روسيا ٢٥ عاماً لم تذهب سدى في حياته المطبوعة بالسفر والترحال. وهناك في تاريخ وجغرافيا أعلام الرواية والشعر، عرف الرحبي اللغة الروسية من داخلها ومن قلب تاريخها الأدبي، ونقل إلى العربية عناوين روسية روائية وشعرية على طريقته في الترجمة التي يعتبرها «عرساً فنياً بين لغتين»، بحسب قوله في «الشرق الأوسط»(١٩ مايو/آيار ٢٠٢٥). ويقول الرحبي إنه أجرى تحقيقاً صحفياً ميدانياً وسأل مرتادي قسم الآداب الأجنبية في مكتبة كبيرة في موسكو حول معرفتهم بنجيب محفوظ، وتبيّن له أنهم يعرفونه، ولكنهم لم يقرأوا شيئاً له؛ لأن كتبه غير موجودة، كما قال.
توقفت أيضاً في حوار الرحبي عند قوله بأن شركة «سامسونج» الكورية تقوم بدعم وإدارة ضيعة أو قرية تولستوي الشهيرة «ياسنايا بوليانا»، وتجري في القرية فعاليات ثقافية برعاية الشركة منها أهم مسابقة للترجمة في روسيا، وقال إن الكوريين يترجمون ٥٠ كتاباً من لغتهم إلى الروسية في كل عام.
أوردت هذه المعلومات للقارئ العزيز والتي أدلى بها كاتب ومثقف عربي يعيش في روسيا، وربما يعرف شعابها وهو أدرى بها أكثر من بعض الرّوس أنفسهم، وفي الوقت نفسه لنا في وارد هذه المعلومات بعض الاستنتاجات الجميلة وغير الجميلة في آن واحد،. وممّا هو جميل ويبعث على احترام أحمد الرحبي كشخص وكاتب أنه عاش في بلد تعتبر لغته من اللغات الصعبة، ولكنه انتصر لنفسه ولثقافته العربية، وقام بما يشبه «ترويض» الروسية لكي تصبح عرساً فنياً مع العربية، لغته الأم.
يتوقف القارئ أيضاً عند انشغال دولة مثل كوريا بالترجمة من الروسية إلى الكورية أو العكس، واللّافت إلى حدّ الإدهاش هنا أن شركة صناعية تكنولوجية هي من تتبنّى دوراً ثقافياً ليس مقتصراً على تمويل ترجمة ٥٠ كتاباً كوريّاً سنوياً إلى الروسية فقط، بل تقوم الشركة برعاية وتمويل فعاليات ثقافية في ضيعة تولستوي. ومن دون الدخول في التفاصيل أو البحث عنها، فإن ما تقوم به الشركة من فعل ثقافي على هذا النحو العالمي، إنما هو ترجمة عملية لثقافة بعض الكيانات الصناعية الكبرى وتوجّه الثقافة المادية الصناعية إلى مساعدة وخدمة الثقافة الأدبية المتبادلة بين الدول والشعوب.
منح نجيب محفوظ الهوية الثقافية العربية امتيازية وعالمية جائزة «نوبل» للأدب، ولكن مؤلفاته ليست موجودة أو مترجمة للروسية في مكتبات روسيا، وربما في الكثير من بلدان العالم، أما الشركة الكورية التي تنتج سلعة تكنولوجية استهلاكية على نطاق واسع في العالم، فإن هناك ما يشبهها في الوطن العربي ولو بنسب قياسية في حدود دنيا من المقارنة، وبإمكان هذه الكيانات الإنتاجية العربية أن تتبنّى نموذج هذه الشركة في روسيا، أو في أي بلد آخر في العالم، لكن الفكر يختلف هنا في هذه المقارنة الصعبة. وهكذا، نظل، نحن العرب، دائماً نتساءل، ونقارن، وليس لنا في العرس إلّا الزفّة.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"