ما رأيك في الأعمال المحسوبة على الإنتاج الفني، المنتشرة في «يوتيوب»، التي تسيء إلى الأسرة والمجتمع العربيين؟ دعِ النقد الفني، ولا تُضع وقتك سدىً بحثاً عن نصوص لقصة وسيناريو في المستوى، ومهارات في الأداء والإخراج، فالجهد محدود، ودرب الإبداع مسدود، ولو وقف الأمر عند هذا الحدّ، ما استغربه أحد.
عدد أفراد هذه المجموعة لا يتجاوز بحال الخمسة عشر، لكن العواقب لا تقاس بعدد الأشخاص. الموضوع ليس بهذه البساطة، فالأعراض قد تلوح عارضةً، بينما يكمن تحتها كمين مستفحل. في الشهور الأولى لهذه الموجة، انفلتت المقاليد وانكسرت القيود، لكن المبالغة في استيراد السلوكيات التي لا تمتّ بصلة إلى المجتمعات العربية الإسلامية، واستنساخ مضحكات الشؤون الإدارية، وتكرار المحتوى الواحد بنماذج متشابهة شتى، كشفت حزمة أشواك.
انعدام الأفكار والابتكار: متى كان شائعاً في بلاد العرب استخدام الحقن السّامّة في البيوت، الكنة ضد الحماة والعكس، والزوجة ضد زوجها لترثه؟ ومنها، سذاجة الإخراج: البنت تقرر تصوير مشهد التسميم بعد نهايته. لم يوجد ولا يوجد في بلد عربي أن يتنكّر مدير المؤسسة أو من ينوب عنه، ليختبر أمانة المترشحين للوظيفة، فيلقي بحزمة أوراق نقدية ضخمة وراء كل واحد، ويكون الحساب العسير في المكتب باختيار الذي كان أميناً، وافتضاح الآخرين. أمّا الخيانات الزوجية فكثرة تكرّرها تجعل براغيث الظنون تهرش أدمغة المتزوجين.
حدث شيء له دلالاته، وهو أن مقترفي تلك الآثام الفنيّة تلقوا على الأرجح تأديباً أو تأنيباً على ما فعلوه من تشويه لصورة المجتمعات العربية، فاستعادوا بعض وعيهم، فصاروا يختمون تلك المناظر المعيبة بما يشبه النصيحة أو المغزى، فازداد الطين بلّةً بمزيد من هبوط المستوى الفني جرّاء الخطاب المباشر.
«التراجيكوميديا» هي أن الإنتاج كان يعاني الهبوط، فصار الفن يترحم على الأعمال الهابطة. الموسيقى العربية تعاني الظاهرة نفسها. خلوّ الساحة من القامات. الأمر منطقي إذا انخفض المنسوب درجة أو ثلاثاً، فالأيام لا تجود دائما بأن يتوارى باخ فيتألق موتزارت، ويختفي الأخير فيتعملق بيتهوفن. تحتاج المسألة إلى مفكرين وعلماء نفس واجتماع، ذوي تحقيق وتدقيق، ليستبين العربي أسباب السقوط الفني الحر، من قمم السنباطي، عبدالوهاب، زكريا، بليغ، الرحباني، إلى «قرار بلا جواب»، ومقامات بلا درجات صوتية.
لزوم ما يلزم: النتيجة العلمية: لا تكن متشائماً إلى حدّ الأنين. لقد صدق الفيزيائيون، فالسّاحة الفنية ينطبق عليها قولهم إن الفراغ ليس فارغاً.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







