هل المشكلة في الإعلام، أم في الجمهور؟ إشكالية كبيرة يعيشها المشتغلون في قطاع الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وهاجس يومي يؤرق فؤادهم بين الحفاظ على الجذور والهوية، وبين الذهاب إلى حيث يريد الجمهور المتلقي أن يذهب، لتقنعه، وتحظى بحضوره، وبالتالي لتؤكد لنفسك أنك فعلاً تمارس دورك كإعلامي.
الصحافة والإذاعة والإعلام التي نعرفها منذ عقود خلت، وقد تصل إلى قرابة القرن، حافظت على نمطية معينة وطريقة محددة في التعاطي مع الجمهور، اتصلت بالمشاهدة حين التعاطي مع التلفزيون، والاستماع مع الراديو، والقراءة في حال المطبوعات الورقية من صحف ومجلات.
تطور الأمر، وتغيرت نمطية الحياة، وأصبح جمهور الإعلام بكل أنواعه يريد الخبر أو الفيديو، في محل وجوده، لم يعد لديه «جَلَد» لزيارة مكتبة لشراء صحيفة أو مجلة، أو وقت للجلوس ومشاهدة التلفاز.
طورت وسائل الإعلام أدواتها، وحملت كل ما في جعبتها، وذهبت إلى القارئ والمستمع والمشاهد في مكانه، في البر والبحر والجو، ووفرت له ما يريد من وسائل ومنصات ومواقع، وظَّفتها وأجادت استخدامها، فأبدعت بكل المجالات، وراحت توفر المعلومة بأشكال وأنماط كثيرة ترضي جميع الأذواق والأجناس.. ولكن ماذا بعد؟
المؤسف، أنه وبعد كل ذلك، ما زال العاملون في مجال الإعلام الحقيقي، يلحظون أن الإقبال عليهم يخفت، وفي تراجع ملحوظ، عاماً بعد عام، والسبب، كما أسلفنا، تقلب نمطية الحياة، وتغيرها بشكل متسارع، بحيث أصبح أمر التواصل مع الجمهور يحتاج إلى أن تتواصل مع عمالقة التكنولوجيا لتسألهم عمّا يدور في خلدهم من ابتكارات جديدة، حتى تبدأ بالاستعداد والتهيؤ لتحمل كل ما في جعبتك مجدداً، وتذهب به إلى القارئ.
ولكن، هل فعلاً أن القارئ أو المشاهد أو المستمع، يحتاج إلى ما يدور في العالم من أحداث وأخبار، وفظائع تحملها إليه، ليبقى على اطلاع بكل ما يجري في المعمورة.
الحقيقة المؤسفة أنه ومع كل ما قدمه الإعلام من تطور، إلا أن الجمهور هو الذي لا يريد أن يعرف ماذا يدور وماذا يحدث، جمهور، ليس بالقليل، مشغول بطبخة، بموقف طريف، بلقطة سرقتها كاميرا مثبتة في شارع أو على شرفة منزل، مشغول بآخر صيحات الموضة والشعر، أو أغنية بلا معنى، تجذبه نكته، أو فكرة يديرها شخص في شارع عبر أسئلة عشوائية.
للأسف، حتى يبقى الإعلام يحظى باهتمام جمهور هذه الأيام، عليه أن يبدع في استئثار اهتمامه بالقضايا التي يريدها هو، لا نقل ما يحدث في العالم، من صراعات سياسية واقتصادية واجتماعية. الجمهور، وللأسف، أصبح اليوم مرهف الحس، لا يريد ما يعكر صفو حياته، يريد حياة «لايت» بكل ما تعنيه الكلمة، إلا من رحم ربي.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







