ذكاء «غير» اصطناعي

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

المغني المتجدد لا يعتمد على تغيير مظهره ومجاراة الشباب و«الفانز» بتقليدهم، إنما هو المبتكر في أسلوب تقديم أغانيه وحفلاته، والباحث باستمرار عن التفاعل معهم دون الانزلاق إلى حيث لا يليق به وبسنّه وبصورة الفنان الذي يعتبره محبوه قدوة.
نحن لا نضع الفنانين في كفة واحدة، ولا نقيّم موهبتهم وأعمالهم وما يقدمونه وفق معايير المقارنة بين هذا وذاك، فلكلٍّ طريقته، ولكل قدراته ومحبوه، لكنّ بعض الفنانين يستفزونك بما يفعلون أو يرتدون، فتجد نفسك تتحدث عنهم وعن غيرهم، خصوصاً إذا تزامنت إطلالاتهم وحفلاتهم في وقت متقارب جداً.
لا يمكن لفنان أن يطيح بآخر ما لم يتراجع هذا الأخير ويتسبب بإفشال نفسه بنفسه، فالساحة تتسع للجميع، والجمهور يمكنه أن يصفق لكل عمل يعجبه، ولكل موهبة حقيقية حتى ولو كانت حديثة الظهور في الوسط الفني، لذلك تجد من يتقدّم ويحافظ على تقدمه، ويسعى باستمرار إلى الاقتراب من الجمهور، بينما آخر يحسب أن ارتداءه لملابس غير مألوفة وغير متوقعة وتصل بجرأتها إلى مستوى اللامقبول فتحدث صدمة سلبية للجمهور، يحسب أنها كفيلة بالحفاظ على شبابه واستقطاب الأجيال الجديدة!.
نحن لا نقارن، ولكن إطلالة عمرو دياب في حفله الأخير، وإطلالة تامر حسني في حفله، وبينهما أيام قليلة، فرضتا علينا الانتباه لبعض النقاط، والتأكد من أن حبّ الجمهور لا يحتاج إلى مجهود جبار ولا الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، بل إن الذكاء «غير» الاصطناعي هو الذي يميز تامر حسني في كل حفلاته، ويزيد من شعبيته خصوصاً بين الشباب، فهو يتجدّد بطريقة تقديم الحفل، ويشرك جمهوره في اختيار ما يريدون سماعه قبل موعد لقائه بهم بفترة كافية، لا يحتاج إلى ارتداء ملابس شفافة ولا زي راقصة كما فعل عمرو دياب وأحمد سعد ومحمد رمضان.. بل قدّم لجمهوره ما اختاروه، وزاد عليه استضافته لفنانين كبار ومن الشباب، نيللي كريم وحميد الشاعري ورضا البحراوي وأحمد بحر «كزبرة» ويوسف جبريال.
لم يحصر الغناء بنفسه، كل هؤلاء شاركوه في تقديم الحفل وفي حب الناس، فكسب أضعاف ما يكسبه فنان يتعالى ويصاب بأنانية عمياء.. حفل يقام لأول مرة فى الشرق الأوسط على طريقة تصويت الجماهير، والتزم تامر بتقديم أغانيه بألوان مختلفة تنوعت بين البوب والشعبي والراب، أعاد توزيع بعض الأغاني، وعاد بالشباب إلى زمن التسعينيات ليعرّفهم بعضاً من أغاني تلك الحقبة، وقد كرّم فيها حميد الشاعري باعتلائه المسرح والغناء مع الجمهور، كما أعاد توزيع أغنية «زوروني كل سنة مرة» للسيدة فيروز ألحان سيد درويش.. تشكيلة مبهجة وأجمل ما فيها أن تسمع الشباب يرددونها ويتمايلون على أنغامها.
الوصول إلى الشباب والحفاظ على النجاح لا يحتاج إلى «صرعة» في الملابس وأزياء شفافة ولا مقطوعة، بل إلى تواصل مباشر مع الناس، والإحساس بهم، والارتقاء معهم وبهم إلى مستوى فني جيد.
[email protected]

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"