فشلت أوكرانيا في طلبها إقناع روسيا بهدنة ال30 يوماً التي روَّج لها رئيسها زيلينسكي بقوة ودعا حلفاءه الأوروبيين إلى المطالبة بها لتكون مقدمة لوقف نار دائم يفضي لحل الصراع، لكن على المقاسات الغربية، ليكون البديل في حال رفضتها موسكو عقوبات شاملة وهذا ما حصل بالفعل.
التطور الدراماتيكي في هذا الصراع هو تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب شديدة اللهجة تجاه بوتين، خصوصاً أنه سابقاً لم يكنّ العداء له، بل كانت مجمل تصريحاته تأخذ منحىً إيجابياً، حتى إنه كسر بعدة اتصالات هاتفية عزلة الرئيس الروسي وسعى لحلحلة جمود العلاقات وأبدى استعداداً لمقابلته وجهاً لوجه وأمر باجتماعات بين وفد من بلاده وآخر من موسكو للتباحث في إنهاء الحرب، كما أرسل مبعوثه إلى كوسكو للغرض ذاته.
الجديد هنا أن ترامب قال: «إن بوتين أصابه الجنون التام»، بسبب الهجمات الثقيلة بالمسيّرات والصواريخ على كل أنحاء أوكرانيا وأعاد التصريح لاحقاً بأن بوتين «يلعب بالنار» وأنه لولا تدخله لكانت حدثت الكثير من الأمور السيئة للغاية لروسيا، كما لم يتجاهل توبيخ زيلينسكي، حيث امتعض بأنه «كل ما يخرج من فمه يسبب المشاكل».
هذا التحول يشير إلى أمرين، إما أن ترامب يسعى إلى عدم خسارة حلفاء بلاده التقليديين في أوروبا لأجل روسيا، خصوصاً أن ثمة عدم رضى عن خط ترامب السياسي في التعامل مع هذا الملف وبدأت دول في أوروبا باتخاذ خطوات بعيدة عن واشنطن لمواجهة الدب الروسي الذي يطمح للقطبية والمزاحمة بقوة على موقعه بين الكبار وإما أن ترامب يسعى إلى ممارسة الضغوط القصوى على روسيا لاتخاذ قرار وقف التصعيد وإبداء بعض المرونة حول أهدافها، بحيث تكون مقبولة نوعاً ما إلى أوكرانيا وأوروبا، خاصة أن مطالب روسيا المتمثلة بضم حوالى 20% من أراضي أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى حلف الناتو وفرض شروط على تسليح جيشها، تعني هزيمة كاملة لكييف وأوروبا.
روسيا بدورها ردت على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، على تصريحات ترامب حول منع أمور سيئة عن موسكو بأنه «لا يعرف إلا شيئاً واحداً سيئاً جداً.. وهو الحرب العالمية الثالثة، آمل أن يفهم ترامب هذا!»، بينما اتهم الكرملين في أكثر من مناسبة أوكرانيا ومن خلفها أوروبا بإفشال أي محاولات تقارب، بسبب تهديداتهم العسكرية أو العقوبات المغلظة التي تكبل الاقتصاد الروسي.
روسيا لن تحيد عن أهدافها، إذ أضافت شرطاً بأن يتعهد قادة الغرب كتابياً بعدم توسع حلف «الناتو» شرقاً وأبدت استعداداً لمواصلة الحرب لسنوات أخرى وهذا ما لا ترغب به أوروبا، لأنها تشكل استنزافاً مريراً لقدراتها وتدميراً لأوكرانيا.
الصراع معقد جداً ولا يمكن أن يحل إلا بتنازلات أشبه بهزيمة وهو ما لا يرغب به الطرفان، لذا فإن الحرب قد تطول رغم الجهود المبذولة لإطفاء نارها.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







