«وصمة عار في تاريخ الإنسانية».. جملة تختزل أكثر من ستمئة يوم من عبثية الحرب في غزة وعليها.
وإن كانت يوميات الحرب عصية على التلخيص والتكثيف، ومشاهدها المفزعة أكثر وأقسى من أن يحتويها كتاب أو بيان، فإن الإمارات أرادت بهذه الجملة أن تنبّه ما تبقى من الإنسانية في العالم إلى أن مأساة غزة، حتى إن توقفت آلة الحرب فيها الآن، ستبقى تطارد وتلعن صناعها والصامتين أمامها، ولا يمكن لها أن تبقى مجرد أحداث تستعاد فقط في سياقات الحديث عن الحروب أو الصراعات في العالم؛ لأن التفاصيل المتجاوزة لكل قدرة على الوصف والاختزال ستظل نقوش عار في سجلات من أراقوا الدم، ومن اعتادوا مناظره، ومن سمحوا للأمر بالوصول إلى درجة حرمان إنسان من لقمة تقيم صلبه وتحفظ آدميته، أو دواء يصون ما تبقى من حياته.
توثيق وصمة العار تلك في بيان الإمارات، باسم المجموعة العربية، أمام مجلس الأمن، لم يكن أول جهد الدولة ولا آخره في هذا الملف، ولا هو خلاصة مساعي المجموعة العربية منذ بدأت المأساة في غزة، إنما هو، في أحد أوجهه، اغتنام للحظة تظهر فيه تحولات في مواقف الغرب تجاه الحرب، وتظهر ملامح مخاضات وقفها الدائم والشامل.
ورغم أن هذه الجهود الغربية يمكن مواجهتها بأسئلة عن تأخرها كل هذه الوقت، فإن العرب بوسعهم التفاعل الإيجابي معها والإسهام في بلوغها مراميها، وأولها على الأقل بالنسبة لنا، الوقف الفوري للحرب، والالتفات لما بعدها. وما بعد وقف الحرب لا يقل أهمية، وفي مقدمته ترميم البشر المتبقين في غزة وتخفيف وطأة 19 شهراً ملأت الذاكرة والروح بما لا يحتمل من مشاهد القتل والتجويع والتشريد ومواجهة احتمال إخراجهم من جغرافيتهم التاريخية إلى المجهول.
بعد هذا الترميم، يمكن الحديث عن السلام وحدوده وآفاقه ومساراته بما يطوّق أثر الحرب على جهود إقراره وتوسيع نطاقه التي أفسدتها إسرائيل.
هذه هي الأولويات التي يمكن أن توقف تمدد وصمة العار في حق الإنسانية التي ينشغل جانب منها الآن بالبصمة الكربونية للأشهر الـ15 الأولى من حرب إسرائيل على غزة.
وربما يكون من الرفاهية أن تنشغل دراسة بإجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة بشكل مباشر أو غير مباشر عن الحرب، محذرة أنها ستكون أكبر من انبعاثات الاحتباس الحراري السنوية لـ100 دولة كل منها على حدة، ما يُفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية، بالإضافة إلى الخسائر الفادحة بين المدنيين.
لا خلاف على أن مناخ العالم ملف شديد الأهمية على مستوى العالم، وأنه لا يمكن التهوين من مسببات التغير المناخي ونتائجه المدمرة، لكن مأساة غزة لا يمكن التعامل معها بسياقات غيرها من المناطق، فقطعة من خريطة الكون تختزل معنى الوصمة وتعتاد انبعاث الأرواح لحظياً وبأعداد يصعب حصرها أحياناً، لا يضيرها معدلات الكربون المؤرقة للعلماء والمنظمات.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







