بدأت الأيام الفضيلة، وبدأت قيمة الحياة الحقيقية بالتعريف عن نفسها.. أيام وتبدأ شعائر الله الكبرى، في حرمه وبيته المعظم، في مكة التي ستستقبل أفواجاً حملت أرواحها بين أيديها وأقبلت بقلوب مفعمة بالسعي والرضا والطلب والحب، والرجاء لعطايا الله وحسن تدبيره وغفرانه وتسخيره للكون، ليكون في حضرة الدعاء، وقربه في يوم من أعظم أيام الله، يوم عرفة.
في أيام الله الكريمة من ذي الحجة، في كل بيت هناك حاج سالت دموعه وهو يختم جوازه للأراضي المقدسة، يرفع يديه في يقين «يا رب»، بأن يسهل الله عليه، ويتقبل سعيه وعمله وإقباله؛ ونحن من بعيد ندعو الله أن يبلغنا هذه الشعيرة العظيمة عاجلاً غير آجل.
الحج قيم، وأخلاق ومبادئ، الحج التضحية التي ضحى فيها سيدنا إبراهيم، وهو سعي أمّنا هاجر، وهو اختبار الله فوق كل شيء لعباده، لصبرهم، احتمالهم وقربهم، فيه تتنزل الرحمات، وتحفّ الكل ظلال النور في حضرة التواضع. لا أحد يحمل معه كنوزه وجاهه أو ماله، بل يتساوى الكل في الطواف، والكتف بالكتف في كل الخطوات والشعائر، يتجرد الإنسان من أنانيته ويقبل بروح، بإذن الله، في داخلها الخير للكل، والحب للكل، وينتهي الحج والكل في خير وقد غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه.
كل إنسان يسافر يحمل معه صفته الإنسانية بين يديه، وفي تفاصيل عمله وفي حاجاته وتصرفاته. هو سفير وصورة للمسلم الحق الذي لا يتوانى عن التضحية من أجل أمة لا إله إلا الله، وأن يكون أخاً بحق لأخيه المسلم.
في الحجّ نحن نردد «الله أكبر الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، ولا إله إلا الله» نرددها والرئة تمتلئ إحساساً بالراحة والطمأنينة والسعادة والبهجة، تمتلئ بمشاعر تختلج بين الطلب وأمنية القبول، في الحج يسعى الكل لأن ينعم بفضل الله وأجره، وكثيرة هي أبواب الخير الحمد لله؛ وكم هو عظيم ربنا، الذي يأجرنا على كل ما نفعل، وإن لم نكن ضمن الملايين التي تطوف هناك، فصدقتنا تحسب، ودعاؤنا يصل، وأمنياتنا بإذن الله تجاب حين تقال بقلب اليقين.. ديننا دين عظيم، يربّينا على القيم، ويعلمنا أن نتطلّع إلى أقاصي الأرض، ونسعى لأن نقدم لإخواننا في كل مكان كل ما يحتاجون.
ديننا يهذبنا، ويربّينا على أن المال في يدينا هو مال الله، وحين نعطيه لخلق الله فهو الأجر العظيم الذي يتضاعف بفضل الله، ديننا هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، حين دعا لنا في حجة الوداع وبكى من أجل أمته؛ فالحمد لله أننا مسلمون ومقبلون ومدركون، ونردد كل يوم «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله».
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا
