عبدالله السويجي
كرّمت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» وبتقدير خاص، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة. إنه تكريم صادف أهله لرجل بحجم أمة وهو اعتراف أممي بما بذله سموه من جهد استثنائي من أجل الحفاظ على لغة الضاد التي هي بوتقة الثقافة العربية وذلك بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، الذي يعد ذاكرة الأمة اللغوية وإدراجه رسمياً في مكتبة اليونيسكو..
خبرٌ ثقافي قد تنشره المجلات والملاحق الثقافية في صدر صفحاتها، ضمن الأخبار الثقافية، ويكون الاهتمام به وفق معرفة المحرر الثقافي بصانع الإنجاز، ولا أعني المعرفة الشخصية، ولكن المعرفة العامة، لكننا كمحلّلين سياسيين ومفكرين لا بد أن نتوقّف ملياً أمام الخبر وصانع الخبر، فلا يمكننا اعتبار الخبر عادياً، ليس لأن صاحبه شخصية غير عادية، بل واستثنائية، بل لأن الخبر يأتي ضمن سلسلة من الإنجازات الثقافية والفتوحات المعرفية والمبادرات الحضارية، وينبع من رؤية ثاقبة لشخصية تعمل وفق استراتيجية إنسانية هدفها الإنسان الذي هو صانع الحضارة والمستقبل في زمن التيه، بكل مراحله العمرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهي رؤى حاكم مثقف وكاتب مبدع، رؤى رجل مؤمن إيماناً حقيقياً يحمل بين جنباته هم أمته، ومن هنا فإن ما يميّز سموه تتقزم أمامه الكلمات وتتبعثر المفردات عن تدوينه، إنما سنجتهد، وقد نُتبِع المقالة بأخرى، فتاريخ سموه معين لا ينضب حافل بالإنجازات، ولا يمكن للكلمات والمفردات أن تفيه حقه.
وحتى نعيد الإنجاز إلى الرؤية، والرؤية إلى الرسالة والرسالة إلى طموح يشبه الأحلام، لا بد من إعادة مفهوم النهر إلى مصبّه، فسموه يؤمن بفكرة الاتحاد وفلسفته وأهدافه واستراتيجياته، أي يؤمن إيماناً صادقاً بدولة الإمارات العربية المتحدة، كإطار قانوني يجمع أبناء الإمارات، ويعمل على توفير العيش الكريم لأبنائها ومن يعيش ويعمل على أرضها من أقوام شتّى. والإيمان بفكرة الاتحاد هو إيمان بالعمل الجماعي والتآزر والعطاء، فعمل مثل المعجم التاريخي للغة العربية لا تنحصر فائدته بأبناء الإمارات ولا بالمقيمين العرب وإنما تشمل كل الناطقين بلغة الضاد في الوطن العربي والعالم.
وتكريم «اليونيسكو» لجهود سموه إنما ينطلق من النظرة التي تقول: إن إنجاز المعجم هو إنجاز عالمي رسخ مكانة الشارقة كمنارة للعلم والثقافة والمعرفة. هكذا يتحول العمل الجماعي إلى عمل عالمي، ويمكن قياس هذا الأمر على إنجازات ثقافية كثيرة، ولنأخذ معرض الشارقة الدولي للكتاب، فهذا المعرض، الذي يوليه سموه رعايته، ويحرص على افتتاحه في كل عام، وزيارة جميع أجنحته، هذا المعرض وإن كان يُنَظَّم في إمارة الشارقة، فإنه عمل لكل الإمارات، وكل الخليج العربي، وكل العالم العربي، وكل العالم، لأن العالم يتمثّل فيه بأناقة وجمال معرفيين.
والأعمال العالمية التي يرعاها سموه لا تتوقف عند معرض كتاب، ومهرجان للمسرح وبينالي للفن التشكيلي، ومعرض عالمي للتشكيل والتراث، لأنها أعمال إنسانية في المقام الأول، لها طابع إنساني قيمي أخلاقي، ولها طابع شمولي عابر للقارات. إن كل عمل يقوم به ولي الأمر هو عمل عالمي لأن الفائدة تتجاوز المفهوم المحلي الضيّق نحو آفاق أكثر رحابة تجسد منظومة القيم والمبادئ الأخلاقية والعلمية والإنسانية، فالإنسان التنموي، والحاكم الحريص على خلق فرص العمل لأبنائه وبناته من الشعب هو إنسان عالمي بالمعايير الأخلاقية والسياسية والإنسانية.
إن علاقة سموه بالزمن علاقة وطيدة بالفلسفة والآداب والعلوم، ومن يحترم الزمن يُخلّد في سجلات القادة البارزين، وصاحب السمو بالقدر الذي يحترم الحاضر وتفاصيله ويعمل على تنميته وإنمائه والسهر على رعايته، بالقدر الذي يحترم فيه الماضي، شغفاً، وتاريخاً، وأدباً، حتى سموه نفسه لم ينج من هذا الشغف وهذا الاهتمام، فكتب ذاته، منذ سنواته الأولى حتى قيام الاتحاد، وتوثيق التاريخ وتمحيصه ودراسته لم تتوقف عند تاريخ الاتحاد أو تاريخ القواسم، وإنما امتد إلى مرحلة ما قبل الاتحاد، وما قبل الحروب للسيطرة على الخليج واستقلالية إماراته، وحماية أبنائه، وما الاهتمام الكبير بالمتاحف إلا انعكاس لما يشكله الماضي من أهمية في فكر وثقافة صاحب السمو حاكم الشارقة، ويتعامل معه كأنه القاعدة الرصينة والأساس القوي لأي بنيان عمراني أو ثقافي أو تراثي أو اجتماعي، فلا عجب لو شاهدنا الحاضر يعانق الماضي في الشارقة، وفي الحقيقة، فإن المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة مبدأ يأخذ به حكام الإمارات ويطبقونه بأشكال يتجلّى فيها الإبداع.
الحرص الأبوي صفة إنسانية وثقافية واجتماعية، ينظر إليها صاحب السمو حاكم الشارقة على أنها تكليف شرعي يلزمه بالسهر على الرعية، والأخذ بأياديهم لتمكينهم من التعامل مع تحديات المستقبل، هو حرص لا يؤمن به كواجب، وإنما يمكن رؤيته عن طريق تعامله مع المواطنين وحرصه عليهم، وهو أكثر من حرص حاكم على شعبه فهي مشاعر الأبوة الراقية الحاملة للمعاني الإنسانية والحضارية.
هو رجل سياسي، وكاتب مسرحي، ومؤرخ، وروائي، ومفكّر استراتيجي، وقد تجتمع خصال كل الشخوص في شخص عند اتخاذ القرار، وهي اللحظة المهمة لكل صاحب ضمير حي. فشكراً سلطان الإنسانية حفظت للأمة هويتها وكيانها ووجودها بين الأمم..