حرب بلا أفق

00:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

كمال بالهادي

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما يشبه تحذيراً أخيراً للرئيس بوتين، بأنّه «يلعب بالنار» في إشارة واضحة إلى عدم سير المفاوضات بما يرتضيه الرئيس الأمريكي، لتدخل الأزمة الأوكرانية منعرجاً خطِراً لخّصه مديفيديف بكونه لا يرى في المستقبل إلا حرباً عالمية ثالثة ولعل ما حصل مؤخراً من هجمات أوكرانية مدمرة داخل روسيا يشي بالأسوأ.
وميدانياً لا يبدو أنّ هناك توجهاً نحو هدنة مطولة قد تقود إلى فرض سلام دائم وشامل في المنطقة، فلغة الحرب تعلو على لغة الحوار، ففي تطابق صريح مع رؤية الرئيس بوتين للصراع مع أوكرانيا، صرَّح قائد قوات «أخمات» الخاصة ونائب رئيس الإدارة العسكرية والسياسية الرئيسية بوزارة الدفاع الروسية، أبتي علاء الدينوف، لوكالة «سبوتنيك»: إن الجنود الأوكرانيين يستطيعون الوقوف في صف واحد مع القوات الروسية، إذا لم تتلطخ أيديهم بالدماء بعد. وأكد علاء الدينوف أنه يعتبر الأوكرانيين إخوة ويجب «إعادتهم إلى جادة الصواب حتى يستيقظوا ويدركوا أين هم» وأن أبناء هذه الجنسية يقاتلون بالفعل في صفوف «أخمات» وهذه العقيدة هي السائدة منذ شهر فبراير (شباط) من العام 2022، إذ قبل أن يعلن بوتين إطلاق «الحملة العسكرية الخاصّة» في أوكرانيا، وجّه خطابه المشهور للروس والذي تحدث فيه عن اعتراف روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين المواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا وهما لوهانسك ودونيتسك، بل ذهب أبعد من ذلك عندما قال: إن فكرة الدولة الأوكرانية بحد ذاتها مجرد وهم وأوضح بوتين أن أوكرانيا صنيعة زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين حيث منحها عن طريق الخطأ إحساساً بالدولة من خلال السماح لها بالاستقلال الذاتي داخل الدولة السوفييتية المنشأة حديثاً حسب قول بوتين وقال بوتين حينها: «لقد تم إنشاء أوكرانيا الحديثة بشكل كامل من قبل روسيا وعلى وجه التحديد من قبل البلاشفة الروس»، «بدأت هذه العملية عملياً بعد ثورة 1917 وعلاوة على ذلك، قام لينين ورفاقه بذلك على حساب روسيا من خلال تقسيم أراضيها التاريخية وتمزيق قطع منها».
ورغم أن الزعيم الروسي أعلن مراراً أن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق كان أكبر كارثة من الناحية الجيوسياسية خلال القرن العشرين، لكن يبدو أنه يحاول أن يصحح الخطأ التاريخي الذي وقع فيه مؤسس الاتحاد السوفييتي لينين، حسب رأيه، عندما تم تأسيس الجمهورية الأوكرانية بعد انتهاء الحرب الأهلية التي تلت ثورة 1917.
وأياً كانت دوافع الحرب الحالية، فلا يمكن نكران الحقيقة التاريخية وهي أن الروس والأوكران هم شعب واحد وهم إخوة صاروا أعداء بفعل التدخلات الخارجية، فالواقع التاريخي لأوكرانيا معقد وهو تاريخ يمتد لألف عام من تغيير الأديان والحدود والشعوب وقد تأسست العاصمة كييف قبل موسكو بمئات السنين ويدّعي كل من الروس والأوكرانيين أنها منبع ثقافاتهم وديانتهم ولغتهم الحديثة وكانت كييف في موقع مثالي على طرق التجارة التي تطورت في القرنين التاسع والعاشر وازدهرت بفضل ذلك لكنها ما لبثت أن فقدت مكانتها الاقتصادية مع تحول التجارة إلى مكان آخر، حتى أن تاريخ وثقافة روسيا وأوكرانيا متداخلان فعلاً فهما تشتركان في نفس الديانة المسيحية الأرثوذكسية وهناك تشابه كبير بين لغتي البلدين، إضافة إلى تشابه العادات وحتى الأطعمة وقد كانت «كييفان روس» أول دولة سلافية شرقية كبيرة تأسست في القرن التاسع الميلادي وهناك انقسام بين أوساط المؤرخين حول مؤسس هذه الدولة، الرواية الرسمية تقول: إن القائد شبه الأسطوري أوليغ، حاكم نوفوغراد، هو الذي ضم كييف إلى مملكته بسبب أهمية موقع المدينة الواقعة على ضفة نهر دنيبر، وجعلها عاصمة لدولة «كييفان روس» وهذا التاريخ الطويل المتشابك يجعل من الصعب فعلياً فكّ الارتباط بين شعب واحد في دولتين، بالرغم من أن الانقسام تتم تغذيته من طرف قوى غربية تسعى إلى أن تجعل من أوكرانيا رأس حربة وضحية في نفس الوقت لطموحات المارد الأطلسي «الحلف الأطلسي» الذي يريد أن يفرض طوقاً عسكرياً حول روسيا، برغبته التمدد حتى يقف على حدودها مباشرة.
وفي خضمّ هذا الصراع المعقّد لا يبدو أن هناك أفقاً مضيئاً يلوح في هذا الصراع، إذ ينفي الروس وجود خطوة مفاوضات بين أبناء الطائفة الأرثوذكسية في الفاتيكان بعد تنصيب البابا الجديد ويرى الروس أن الغرب يحضّر مواطنيه لحرب مع روسيا، فقد أكد نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، ألكسندر فينيديكتوف، أن الاتحاد الأوروبي يقوم بتهيئة أيديولوجية واسعة النطاق للأوروبيين للحرب مع روسيا.
وقال فينيديكتوف: «إن مستوى الخطاب المعادي لروسيا في بروكسل وبعض العواصم الأوروبية، ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة»، فتطوير العديد من الوثائق الاستراتيجية في مجال الدفاع من قبل الاتحاد الأوروبي له دلالة كبيرة وعلى وجه الخصوص، أقرت المفوضية الأوروبية، في نهاية شهر آذار(مارس) من هذا العام، ما يسمى باستراتيجية الاستعداد لحالات الأزمات. وقدم الاتحاد الأوروبي، قبل شهر، «الكتاب الأبيض بشأن الدفاع الأوروبي - الجاهزية 2030» وهي خطوات تنبئ بأن محاولات فرض سلام بين الإخوة الأعداء قد تؤول إلى الفشل.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"