في الأول من يونيو من كل عام يقف العالم وقفة تقدير وامتنان للاحتفال باليوم العالمي للوالدين، وهو مناسبة أممية أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012 للاعتراف بالدور المحوري الذي يلعبه الآباء والأمهات في تنشئة الأجيال وبناء المُجتمعات وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
فدور الوالدين يبقى ركيزة لا غنى عنها، فهما اللذان يزرعان القيم ويحميان الأبناء من تقلبات الحياة ويشكلان الحضن الأول في وجه التغيرات السريعة التي يشهدها العصر الحديث، وتعتبر فرصة لإعادة الاعتبار للوالدين في زمن تتسارع فيه الهموم وتتشابك المسؤوليات، وقد ينسى البعض أن خلف كل إنجاز يقف والدان سهرا الليل وضحيا براحتهما من أجل بناء مستقبل أبنائهما.
قال الله تعالى: (وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا)، فذكر الإحسان إلى الوالدين مباشرة بعد التوحيد يدل على عظم شأنه عند الله، فاليوم العالمي للوالدين ليس مناسبة للاحتفال الرمزي فحسب بل دعوة للتأمل في مسؤولياتنا تجاههما ووسيلة لإحياء قيم البرّ والاحترام خاصة في ظل ما نلاحظه من فجوة تتسع بين الأجيال، ومع التحديات التي فرضتها التكنولوجيا والتحول الرقمي أصبح على الوالدين اليوم أن يتعلما باستمرار وليس فقط لتوفير الحماية المادية والمعنوية لأبنائهما بل لفهم طبيعة العالم الجديد الذي ينشأ فيه هؤلاء الأبناء، فالوالدان المعاصران لا يكتفيان اليوم بدور الرعاية بل أصبحا معلمين وموجهين ومستشارين نفسيين في ظل تزايد الضغوط النفسية على الأطفال والمراهقين، ما يتطلب وعياً وتدريباً مستمرين.
وبينما تحتفل بعض الدول بهذا اليوم بتنظيم فعاليات ثقافية أو تعليمية، تبقى المُبادرة الأهم هي المبادرة الفردية: اتصال هاتفي، كلمة شكر، أو حتّى لحظة صادقة من الامتنان، وفي هذا اليوم لا نحتاج إلى تظاهرة كبيرة، بل إلى قلوب تتذكر وأفعال تعكس الوفاء، فالوالدان لا ينتظران الكثير بل يكفيهما أن يشعرا بأن تضحياتهما لم تذهب سُدى، ومن أبرز صور البرّ العملي، خفض الصوت أمامهما والابتسامة في وجهيهما وقضاء حوائجهما دون تأفف والدعاء لهما (ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا).
وقال النبي علية السلام: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله: قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين)، فالعقوق قرين الشّرك في الخطورة، فعليك أن تستشف ما في قلب والديك ثم تنفذه دون أن تنتظر منهما أمراً، وأن تعلم ما يسعدهما فتسارع إلى فعله وتدرك ما يؤلمهما، وتحرص على راحتهما ولو كان على حساب سعادتك وتستجلب ضحكتهما، فعلينا ألا نحصرها بقبلة، وقد يعقبها الكثير من التقصير بل يمتد برهما إلى بعد وفاتهما ليشمل ذوي الأرحام وأصدقاء الوالدين وكذلك الدعاء لهما وتقديم الصدقة.
وفي الختام، فإن اليوم العالمي للوالدين هو تذكير سنوي بدور من لا يسألان عن التقدير ولا يطلبان مقابلاً لكنه أيضاً فرصة لتجديد العهد بالبرّ والعناية والدعم لمن منحانا قبلة الحياة.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







