د. باسمة يونس
في رسالة ضمن منشورات كتاب «فرانتوماليا» للروائية إيلينا فيرانتي، ترد «فيرانتي» على ناشرة سألتها عن نيتها حيال ترويج كتابها «الحب المقلق» قائلة: «لن أشارك في منتديات أو مؤتمرات، إن دعوني إليها، لن أذهب لاستلام جوائز، إن أرادوا منحي جائزة، لن أروج الكتاب أبداً، ولاسيما عن طريق التلفزيون، لا في إيطاليا ولا حتى في الخارج، لن أقدم مداخلاتي إلا عن طريق الكتابة، وسأسعى إلى تقليص هذا أيضاً إلى حده الأدنى، فلقد عاهدت نفسي وأفراد أسرتي جازمة بهذا التوجه وآمل ألا أضطر إلى تغيير فكرتي». وأضافت: «أنا أعتقد أن الكتب، ما إن تُكتب، لا تحتاج إلى مؤلفيها أبداً، وإن كان لديها ما ترويه، فستجد قراءها عاجلاً أم آجلاً، وإلا فلا!».
هذا الموقف الصارم من «فيرانتي» يفتح باباً للنقاش حول مدى أهمية حضور المؤلفين للمؤتمرات والمشاركة في المنتديات لترويج كتبهم، وهل الترويج الشخصي من خلال الفعاليات الأدبية ووسائل الإعلام يعد وسيلة فعّالة لزيادة مبيعات الكتب وتعزيز شهرة المؤلفين؟ أم أن هذا النوع من الترويج كما يراه البعض ومن بينهم «فيرانتي» قد يؤثر سلباً في جودة العمل الأدبي، حيث يُمكن أن يتحول التركيز من النص نفسه إلى شخصية المؤلف وحضوره الإعلامي؟
لقد عبرت «فيرانتي» وعن قناعة بأن النص الأدبي يمتلك حياة مستقلة عن مؤلفه. فبمجرد أن يُكتب الكتاب، يصبح كياناً قائماً بذاته، يتواصل مع القراء من دون الحاجة إلى تدخل المؤلف. وهذا المفهوم يعكس رؤية فلسفية للأدب، حيث يُعتبر النص هو الوسيلة الأساسية للتواصل، من دون الحاجة إلى حضور المؤلف أو تفسيراته الشخصية.
واختارت «فيرانتي» استخدام اسم مستعار والحفاظ على هويتها الحقيقية مجهولة، ما أضفى غموضاً على شخصيتها وزاد من اهتمام القراء بأعمالها، ما يعكس رغبتها في أن يكون التركيز على النصوص نفسها، من دون التأثر بشخصيتها أو حياتها الخاصة ويُظهر احترامها لخصوصيتها ورغبتها في الحفاظ عليها بعيداً عن الأضواء.
ورغم غيابها عن الساحة الإعلامية حققت أعمالها نجاحاً وانتشاراً واسعاً، ويُشير هذا إلى حقيقة ما قالته عن جودة النص وقوته وبأنه يمكن أن يكون كافياً لجذب القراء وتحقيق النجاح، من دون الحاجة إلى ترويج شخصي من المؤلف. كما يُبرز أهمية التركيز على المحتوى الأدبي بدلاً من الاعتماد على الحضور الإعلامي.
وتُقدم «إيلينا فيرانتي» بذلك نموذجاً فريداً في عالم الأدب، حيث إن تفضيلها الابتعاد عن الأضواء والتركيز على جودة النصوص التي تكتبها يجعلنا نؤمن مثلها بأن الكتب، بمجرد كتابتها، يجب أن تُترك لتتحدث عن نفسها وتجد طريقها إلى القراء من دون تدخل من المؤلف. هذا النهج يُعيد تأكيد أهمية النص الأدبي ذاته، ويُشجع على تقييم الأعمال بناءً على محتواها وجودتها، بدلاً من الاعتماد على الترويج الشخصي أو الحضور الإعلامي للمؤلف.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







