ضرورة التوازن التنمويّ عربيّاً

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يُعقل أن تظل هذه القضية المصيرية غائبةً عن الخريطة العربية على مر السنين؟
نظرة تحتاج إلى نظر، أن يحتجّ المعترض بأن جميع المناطق ذات التوجهات المشتركة والمصالح المتكاتفة، في قارات العالم، إنما هي مجموعات تضمّ متفاوتات، لا منظومات تجمع متكافئات أو متساويات. شتّان ما بين ألمانيا واليونان، أو ما بين فرنسا وبلغاريا.
حتى هذا الاستدلال، مع ما فيه من الدعابة القاتمة، لا ينطبق على العالم العربي، للأسف، فالوشائج التي نسجها الأوروبيون عقدةً عقدةً لينعموا بخيمة تؤويهم وتقيهم شرور التشتّت والفُرقة، غزلت خيوطها أدمغة السياسة والدبلوماسية والجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وشكّلت لُحمتها وسُداها عقول الاقتصاد، فكانت المطامح المثالية البعيدة، هي آخر ما فكّروا فيه.
معاذ الله أن يكون الخاطر قد انحرف فانصرف إلى لمسة مشهد مسرحي، من قبيل ميراث النوادر والمُلح فلا ينبغي لأحد الغمز من قناة الشطحات الحزبية التنظيرية، التي كانت تفكر أوّلاً في الوحدة الاندماجية، ثمّ تقفز فوراً إلى من سيحمل الجمل بما حمل. المسكينة أوروبا الغربية لم تفكر على هذا النحو، وهي المتشكلة أصلاً من مجموعة دول استعمارية قرونية، إمبراطوريات كالتي كانت كل الطرق تؤدي إليها، وتلك التي لم تكن تغرب عنها الشمس. حتى تلك التي منتخب كرة قدمها برتقالي واسمها متناقض يجمع الهول والندى، كانت دولةً لعبت ببلدان وشعوب. أوروبا انطلقت من أضعف الإيمان، سوق أوروبية مشتركة.
حتى لا نظلم خيال المنظرين المثاليين، هم أهل خيال فريد، لأننا إذا تصورنا أيّ نظام سياسي على هيئة مشروع بنيان، فإن خطتهم أن يبدأ البناء من الطابق الأعلى فنازلاً. اليوم نرى التنميات المتعثرة لا تزال تحاول وضع حجر الأساس في عنان السماء من دون قاعدة أو قائمة. القضية بيولوجيّة فهمها ضرورة قصوى.
النظام السياسي هو بمثابة الدماغ، لكن الشعوب تشبه الخلايا، ووجود الجهاز العصبي المركزي لا يعني أن الخلايا ليست في حاجة إلى صمغ حيوي يشدّها كالبنيان المرصوص. ذلك الصمغ هو أواصر المصالح المشتركة، الدورة الدموية الاقتصادية التي تغذي وتبعث التنمية والنمو، بفضل العمل المشترك فتتضافر الجهود وتتوثق المواثيق والعهود. البشرى هي أن التنمية الشاملة صبحها دائماً قريب، فتوكّلوا.
لزوم ما يلزم: النتيجة السحريّة: التوازن التنمويّ عربيّاً لا يتحقّق إلاّ بتوافر ذلك الصمغ المنشود.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"