معادلات مقلوبة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تقدم «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً الدليل الأكثر وضوحاً على كيفية استغلال المساعدات في قلب المعادلات القائمة لتحقيق أهداف أمنية وسياسية، استناداً إلى غطرسة القوة، وبعيداً عن القنوات التقليدية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال.
من حيث المبدأ، لم يحدث في التاريخ أن يطلب من شعب بأكمله الذهاب إلى مكان يعتبر ساحة حرب لتلقي مساعدات يفترض أن تصل إليه في أماكن تواجده بطريقة آمنة، وليس العكس. ومع ذلك يذهب الجياع إلى مراكز التوزيع تلك تحت النار، لأنهم ببساطة جياع، ولا يملكون خياراً آخر.. فإما الموت جوعاً أو الموت بالرصاص وقذائف الدبابات وقصف المسيرات والطائرات. هذه أول معادلة مقلوبة تتم باسم المساعدات الإنسانية، إذ بدلاً من تقديم المساعدات إلى هؤلاء الجياع المحاصرين منذ أشهر، تتحول مراكز التوزيع إلى مصائد للموت، تحت ذرائع واهية، وحينما يجتمع الشيء ونقيضه تحت عنوان عريض يحمل مسمى «إنسانياً» فإنه في هذه الحال يتحول إلى عمل همجي لم تعرفه البشرية عبر تاريخها.
أما المعادلة المقلوبة الثانية، فهي أن واشنطن تدرس تقديم 500 مليون دولار إلى هذه المؤسسة بطلب إسرائيلي لضمان تمويلها لمدة ستة أشهر، على الأقل، لكن اللافت هنا أن مصدر التمويل هو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي يجري تفكيكها وإلحاقها بوزارة الخارجية لتقليص النفقات الحكومية. والأغرب أن يحظى هذا الطلب بموافقة نائب مدير وكالة التنمية، الذي ساعد في الإشراف على تفكيكها، ما أدى بالتالي إلى إلغاء نحو 80% من برامجها، وأصبح العاملون فيها مهددين بفقد وظائفهم، وذلك في إطار حملة ترامب لمواءمة السياسة الخارجية الأمريكية مع أجندته «أمريكا أولاً».
أما المعادلة التي لم تعد تقبل النقاش، فهي أن هذه المؤسسة باتت تستخدم المساعدات سلاحاً للحرب والتهجير، بشهادة الهيئات الدولية من دون استثناء، ويبدو أنها أنشئت خصيصاً لهذه الغاية، فقد علقت توزيع مساعداتها عدة مرات، وربطت كرمها الدافق بمواعيد يحددها الجيش الإسرائيلي، ليسهل عليه اقتناص وقتل المزيد من الفلسطينيين. كما أن إنشاءها شكل، منذ البداية، فضيحة بحد ذاته. إذ قدم مديرها المعين استقالته حتى قبل أن تباشر عملها، بعدما تبين أن هدفها ليس إغاثياً ولا إنسانياً، وبعدما تبين أن الشركات العاملة لها مصالح اقتصادية وتضم شركات ورجال أعمال إسرائيليين وعناصر أمنية واستخباراتية من الجانبين.
كما أن تعيين قس يميني، لاحقاً، رئيساً تنفيذياً للمؤسسة، يطرح علامات استفهام كبرى حول الدور الذي يمكن أن تلعبه لاحقاً هذه المؤسسة المتساوقة مع الأهداف الإسرائيلية، وفي مقدمتها دفع الفلسطينيين للانتقال إلى مراكز تجميع (معسكرات اعتقال) في جنوب القطاع، تمهيداً لتهجيرهم إلى الخارج. وهو الدور الذي فضحته المنظمات الأممية والدولية، ورفضت الانخراط فيه، وطالبت مراراً وتكراراً ولا تزال تطالب بإدخال المساعدات وتسليمها للقنوات الدولية المشروعة، إن كان هناك من يريد حقاً مساعدة الفلسطينيين.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"