عادي

«مصيدة الموت».. هكذا قُتِلَ طالبو المساعدات في غزة

16:50 مساء
قراءة 6 دقائق
هكذا قُتِلَ طالبو المساعدات في غزة
هكذا قُتِلَ طالبو المساعدات في غزة

عندما كان الأستاذ الجامعي نظام سلامة في طريقه إلى نقطة مخصصة لتوزيع المساعدات في جنوب غزة الأسبوع الماضي، تعرض لإطلاق النار مرتين والسحق وسط حشد من الجائعين اليائسين، ومع ذلك غادر في نهاية المطاف خالي الوفاض دون الحصول على أي طعام.


بدأ إطلاق النار في المرة الأولى بعد وقت قصير من مغادرته خيمة أسرته في الثالثة من صباح الثالث من يونيو/ حزيران الجاري، لينضم إلى حشود على الطريق الساحلي المتجه نحو موقع لتوزيع المساعدات في مدينة رفح تديره «مؤسسة غزة الإنسانية»، وهي منظمة جديدة مقرها الولايات المتحدة تعمل مع متعاقدين عسكريين من القطاع الخاص، لإيصال المساعدات في غزة.

6 جثث

أما المرة الثانية التي تعرض فيها سلامة لإطلاق النار فكانت عند دوار العلم القريب من موقع تسليم المساعدات، حيث شاهد 6 جثث.


وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إن 27 شخصاً قُتلوا في ذلك اليوم في إطلاق نار من قوات إسرائيلية على من توجهوا لتلقي المساعدات. وقالت إسرائيل إن قواتها أطلقت النار على مجموعة ممن اعتبرتهم يشكلون تهديداً، وإن الجيش يحقق في الواقعة.

 


وأظهرت لقطات من كاميرات مراقبة نشرتها «مؤسسة غزة الإنسانية»، اصطفاف طوابير في منحنيات داخل أسوار تشبه الأقفاص عند موقع تسليم المساعدات، المعروف باسم (إس.دي.إس1)، قبل أن تُفتح بوابات تسمح بالدخول إلى منطقة محاطة بحواجز رملية حيث تُركت عبوات الإمدادات على طاولات وفي صناديق على الأرض.


وقال سلامة إن اندفاع آلاف الناس بمجرد فتح البوابات كان «مصيدة للموت».


وأضاف أن النجاة تكون للأقوى ممن يتمتعون بلياقة بدنية عالية ويستطيعون الوصول مبكراً والدفع بقوة أكبر للفوز بحزمة مساعدات. ووصف سلامة شعوره في تلك اللحظة قائلاً: إن ضلوعه كانت وكأنها تلتحم ببعضها ولم يستطع التنفس بينما كان الناس يصرخون.

زحف وانحناء

وتطابقت رواية سلامة مع شهادة اثنين آخرين من طالبي المساعدات التقت بهما «رويترز» وتحدثا عن الزحف والانحناء بينما كان الرصاص يتطاير فوقهما في أثناء التوجه إلى مواقع توزيع المساعدات أو خلال الخروج منها.


وقال الشهود الثلاثة إنهم شاهدوا جثثاً على الطرق المؤدية إلى مواقع تسليم المساعدات في رفح.


وأكد بيان من مستشفى ميداني قريب تابع للصليب الأحمر عدد القتلى الذين سقطوا في الهجوم الذي وقع بالقرب من موقع المساعدات في الثالث من يونيو/ حزيران الجاري.


ورداً على سؤال عن ارتفاع عدد القتلى منذ بدء عملياتها في 26 مايو/ أيار، قالت «مؤسسة غزة الإنسانية» إنه لم تقع إصابات أو خسائر في الأرواح داخل موقعها أو في محيطه.


وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي البريجادير جنرال إيفي ديفرين للصحفيين يوم الأحد، إن حماس «تبذل قصارى جهدها» لاستفزاز القوات التي «تطلق النار لوقف التهديد»، فيما يصفها بمنطقة حرب في محيط مواقع المساعدات. وأضاف أن التحقيقات العسكرية جارية «لتحديد موضع الخطأ منا».


وقال سلامة (52 عاماً) إن ما سمعه عن منظومة توزيع المساعدات الجديدة جعله يدرك أنه سيكون من الصعب الحصول على مساعدات، لكن أبناءه الخمسة، وهم اثنان بالغان وصبيان وطفل في التاسعة من عمره، كانوا بحاجة إلى الطعام. وأضاف أنهم يعيشون منذ شهور على تناول العدس أو المعكرونة فقط، وغالباً ما يتناولون وجبة واحدة في اليوم.


وقال أستاذ الإدارة التربوية إنه كان يرفض الذهاب إلى موقع المساعدات التابع لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» لأنه عرف وسمع كم هو مهين الذهاب إليه، لكن لم يكن لديه خيار آخر بسبب الحاجة الماسة لإطعام أفراد أسرته.


وقالت سلطات الصحة في غزة الاثنين: إن إجمالي 127 فلسطينيا قُتلوا بينما كانوا يحاولون الحصول على المساعدات من مواقع التوزيع التابعة لـ«مؤسسة غزة الإنسانية»، وسط إطلاق نار شبه يومي منذ بدء التوزيع بموجب المنظومة الجديدة قبل أسبوعين.

«مباريات الجوع»

وقال يان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة إنسانية كبرى، إن منظومة توزيع الغذاء تنتهك على ما يبدو بعض المبادئ الأساسية للمساعدات الإنسانية. وشبهها بما يعرف باسم (مباريات الجوع)، وهي روايات مأساوية عن أناس يركضون ويتقاتلون حتى الموت. وأضاف إيجلاند: «يُكافأ قليلون ويخاطر الكثيرون بحياتهم من أجل لا شيء».


وقال: «ينص القانون الدولي الإنساني على أن المساعدات في مناطق الحرب يجب أن تقدم من قِبل وسطاء محايدين يمكنهم التأكد من أن الفئات الأكثر احتياجاً ستحصل على الإغاثة وفقاً للاحتياجات فقط وليس وفقاً لاستراتيجية سياسية أو عسكرية».


ولم ترد مؤسسة غزة الإنسانية بشكل مباشر على سؤال حول حيادها، إذ قالت إنها قدمت بشكل آمن مساعدات تكفي لأكثر من 11 مليون وجبة خلال أسبوعين. ويبلغ عدد سكان غزة نحو 2.1 مليون نسمة.

خطر المجاعة

وسمحت إسرائيل في 19 مايو/ أيار باستئناف عمليات إغاثة محدودة تقودها الأمم المتحدة بعد حصار دام 11 أسبوعاً في القطاع. وكان خبراء قد حذروا قبل ذلك بأسبوع من مجاعة تلوح في الأفق. ووصفت الأمم المتحدة المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة بأنها «قطرة في محيط».


وبشكل منفصل عن عمليات الأمم المتحدة، سمحت إسرائيل لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» بفتح أربعة مواقع في قطاع غزة، في تجاوز لمنظمات الإغاثة التقليدية.


وقال مصدران لـ«رويترز»: إن مواقع «مؤسسة غزة الإنسانية» تشرف عليها شركة خدمات لوجستية أمريكية يديرها مسؤول سابق بالمخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وتملكها جزئياً شركة استثمار خاصة مقرها شيكاغو، وإن مهمة تأمين المواقع يضطلع بها عسكريون أمريكيون سابقون يعملون حالياً في شركة خاصة.


وقال مسؤول دفاعي إسرائيلي معني بالشؤون الإنسانية: إن مراكز التوزيع التابعة لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» تكفي لنحو 1.2 مليون شخص.


وحثت إسرائيل والولايات المتحدة، الأمم المتحدة على العمل مع «مؤسسة غزة الإنسانية» التي تشهد حركة تغييرات كبيرة في كبار الموظفين، على الرغم من أن الجانبين ينفيان تمويلها.


وقالت المؤسسة: إنها تنسق مع الجيش الإسرائيلي تدابير الوصول، مضيفة أنها تتطلع إلى فتح المزيد من نقاط التوزيع. وكانت المؤسسة قد أوقفت عمليات التسليم واستأنفتها عدة مرات، بسبب حوادث إطلاق النار، بما في ذلك الاثنين.


وفي الأسبوع الماضي، حثت المؤسسة الجيش الإسرائيلي على تحسين الأوضاع الأمنية للمدنيين خارج محيط عملياتها. وقالت المؤسسة إن الأمم المتحدة لم تتمكن من إيصال المساعدات، مشيرة إلى سلسلة من عمليات النهب في الآونة الأخيرة.


وتقول إسرائيل إن حماس سبق، وأن استولت على شحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة من أجل توفير الطعام لمسلحيها. ونفت حماس سرقة المساعدات، وتنفي الأمم المتحدة أن تكون عمليات الإغاثة التي تقوم بها تساعد حماس.


وتقول الأمم المتحدة، التي تولت تسليم المساعدات سابقاً في غزة، إن لديها أكثر من 400 نقطة توزيع للمساعدات في القطاع. وأشارت الاثنين إلى أن هناك حالة من الفوضى المتزايدة من عمليات النهب ودعت إسرائيل إلى السماح لمزيد من شاحناتها بالتحرك بأمان.

بدء إطلاق النار

انطلق سلامة وأربعة من جيرانه من منطقة المواصي في خان يونس بجنوب قطاع غزة إلى موقع توزيع المساعدات في الثالثة من صباح الثلاثاء، واستغرقوا ساعتين للوصول إلى رفح التي تبعد عدة كيلومترات وتقع بالقرب من الحدود المصرية.


وبدأ إطلاق النار في وقت مبكر من رحلتهم. وقال سلامة إن بعض النيران كانت قادمة من ناحية البحر، وهو ما يتوافق مع شهادات أخرى عن الواقعة. ويسيطر الجيش الإسرائيلي على منطقة البحر حول غزة.


وقررت المجموعة الصغيرة مواصلة رحلتها. وقال سلامة إنه سقط على الأرض عدة مرات بسبب السير في الظلام على طريق غير ممهد.


وأضاف: «رأيت أشخاصاً يحملون مصابين ويعودون بهم نحو خان ​​يونس».


ولدى وصولهم إلى دوار العلم في رفح على بعد كيلومتر واحد تقريباً من الموقع، كان هناك حشد كبير. كان هناك المزيد من إطلاق النار ورأى رصاصات تصيب مكاناً قريباً منه.


وقال: «يجب أن تنحني وتظل على الأرض»، مشيراً إلى إصابة أشخاص في الرأس والصدر والساقين.


وقال إنه رأى جثثاً قريبة، منها جثة امرأة، إلى جانب «الكثير» من المصابين.


وأشار آخر من الساعين للحصول على المساعدات، والذي سار أيضاً إلى رفح في صباح الثالث من يونيو/ حزيران، إلى حدوث إطلاق نار متكرر خلال الرحلة.

إصابة في الرأس

وفي إحدى المرات، اضطر هو وكل من هم حوله إلى الزحف على الأرض لمئات الأمتار خوفاً من التعرض لإطلاق نار. وقال إنه رأى جثة بها إصابة في الرأس على بعد نحو 100 متر من موقع توزيع المساعدات.


وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان إن مستشفى ميدانياً تابعاً لها في رفح استقبل تدفقاً كبيراً من المصابين الذين بلغ عددهم 184 في الثالث من يونيو/ حزيران، غالبيتهم أصيبوا بأعيرة نارية، ووصفت ذلك بأنه أكبر عدد من المصابين بأسلحة نارية يستقبله المستشفى في واقعة واحدة. وبلغ عدد الوفيات 27.


وأضاف البيان: «قال جميع المصابين إنهم كانوا يحاولون الوصول إلى موقع توزيع المساعدات».


وعندما وصل سلامة أخيراً إلى نقطة توزيع المساعدات في الثالث من يونيو/ حزيران، لم يجد شيئاً متبقياً.


وقال إن الجميع كانوا يسحبون صناديق الكرتون الفارغة من الأرض وللأسف لم يجد شيئاً يذكر.


وعلى الرغم من نفاد المساعدات، لم يتوقف توافد الناس الساعين للحصول على أي غذاء.


وقال إن تدفق الناس كان يدفعه إلى الأمام وهو يحاول العودة أدراجه.


وأضاف أنه بينما كان مدفوعاً نحو مكان وجود حراس المؤسسة، رآهم يستخدمون رذاذ الفلفل على الحشد.


وقالت المؤسسة إنها لا تعلم شيئاً عن واقعة استخدام رذاذ الفلفل، لكنها أوضحت أن موظفيها يستخدمون وسائل غير مميتة لحماية المدنيين.


وقال سلامة إنه بدأ يصرخ بأعلى صوته من أجل إفساح مجال له للمغادرة، مشيراً إلى أنه لا يريد سوى مغادرة المكان. وأضاف أنه غادر خالي الوفاض مكتئباً وحزيناً وغاضباً وجائعاً أيضاً.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"