د. منصور جاسم الشامسي
بَحَثَ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وسانتياغو بينيا، رئيس جمهورية الباراغواي، في العاصمة أبوظبي، مؤخراً، جوانب التعاون المشترك في المجالات التنموية والاقتصادية والطاقة المتجددة والأمن الغذائي والشأن المناخي، وقضايا حيوية أخرى.
علاقات دولة الإمارات بجمهورية الباراغواي «جَمَال سياسي» وموجهة للمستقبل. رئيس الباراغواي حل ضيفاً في شهر مايو(أيار)، الذي تُحيي فيه بلاده ذكرى استقلالها في الخامس عشر منه من عام 1811 ميلادي وقد مضى على استقلالها نحو 200 عام غنية بتجاربها، وليحتفي بالسياسة قَرينة للصداقة والتنمية المستدامة والإبداعات اللامتناهية، سِمات «البَهاء الإماراتي»، يَسّتَلهِم منه ويُلهِمنا «اللَمَعان الباراغوائي».
الباراغواي المعاصرة «تحفة فنية» لافتة بقوتها الكامنة وبجَمالها وبتعاملها المُتزن مع النواحي المادية والاستهلاكية وبعملها في حدود قدراتها وأجوائها الآمنة الساحرة ووحدتها الاجتماعية وبتطويرها لسياسات تحقيق «الاكتفاء الذاتي» و«جودة الحياة» و«رأس المال الأخضر» و«السلام المُستدام».
الباراغواي في التاريخ تعرضت لامتحانات قاسية.«بعد الاستقلال شهدت حروباً أهلية وخارجية خطيرة. وزير الحرب، المارشال، فرانسيسكو سولانو لوبيز كاريّو، رئيس الباراغواي (1862 – 1870) كان«طموحاً»، وسعى للهيمنة الإقليمية عبر حرب دموية مع جيرانه: الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي خسرتها الباراغواي وفقدت الكثير من أراضيها. قد يتعاطف البعض مع«الرئيس فرانسيسكو» كونه كان مدافعاً عن مصالح بلاده ضد القوى الاستعمارية والأجنبية. إلا أن النتيجة، واقعاً، كانت تدمير الباراغواي وخسائر كبيرة في الأرواح، تَعيها الذاكرة والأحاديث كمأساة. ودخلت في حرب مع جارتها بوليفيا في 1932 – 1935 لخلافات حدودية.
لكن الباراغواي تخلصت من«الفِتنة» ونهضت كإنسان جديد بامتلاكها للوعي بالجَمال السياسي، فنبذت «الصراعات» بتقويض أسبابها، وتبنت «النظريات السياسية البِنائية» في المظهر والجوهر فمنحتها سياسة«التوافقات» و«التسويات السياسية» فتصالحت مع جيرانها فتأسس«السلام الإقليمي» و«الاستثمارات الإقليمية». داخلياً، «محظوظة» بصُلح ذاتي وسلام أهلي وتمازج بين سكانها الأصليين والمهاجرين الإسبان، فعاشوا جنباً إلى جنب.
الباراغواي حَددت «أعداءها الحقيقيين: الفساد وعدم المساواة الاقتصادية والفقر» فَتُكافحهم بسياسة ازدهرت بها الطبقة المتوسطة والعاملة، قاعدة اقتصادها الأسرع نمواً في أمريكا اللاتينية منذ عام 2003، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبارغواي بنسبة 4.2% في 2024.
والباراغواي «مُغتبطة» بلقبها الاستثنائي، «أسعد مكان في العالم»، بتحقيقها لمقاييس السعادة: الأجواء الأسرية من حب وتواصل وتعاون ولقاءات عائلية، وسهولة الحياة اليومية، وانخفاض كُلَف الحياة، وإنشاء الصداقات، والمحافظة على الثقافات المحلية والتراث، والطبيعة المتواشجة بمُدنِها، وتطبيق نظام جودة الهواء، حماية الهواء والغلاف الجوي، ومنع التلوث الكيميائي، ونظام كرامة المرأة بتقديم الرعاية الشاملة للولادة والأمومة. وتُصنّف عاصمتها التاريخية – أسونسيون، تأسست في 1537 ذات الكنوز التراثية كواحدة من أرخص مدن العالم للزوار الأجانب، ذات«رَبيع أبديّ»، إشارة لجَمال طقسها، فَأُعلنت «العاصمة الخضراء» لأمريكا الإيبيرية لتحقيقها سبعة مؤشرات بيئية.
«الماء» و«الأزهار» و«اللغة الأصلية» و«الموسيقى» و«فنونها» مظاهر طبيعية تاريخية ثقافية مُلهِمة ذات تأثيرات سياسية واقتصادية تُعَزِز مكانة الباراغواي العالمية.
معنى الباراغواي «نَهر الطيور المُلوّنة»، 75% من حدودها «مائية» فهي كجزيرة تُحيط بها «الأنهار» وتتميز بوفرة «الأمطار» فنما اقتصادها الزراعي وطاقتها الكهرومائية، وأسست نظاماً عادلاً مع جارتها البرازيل لاقتسام«الثروة المائية» المشتركة، يصلح نموذجاً يحتذى لاقتسام الثروات المائية بين الدول، بِلا عنف. والباراغواي دولة داخلية بأمريكا اللاتينية، «حبيسة»، ليست لها سواحل، غير أن«أنهارها» صَنَعت اتصالها الخارجي.
«زهرة العاطفة»، زهرة الباراغواي الوطنية، تَرمز للتضحية والآلام والحُب والصبر، باتت تختزل تاريخ الباراغواي. و«شاي الماتي»، يُصنع من أوراق نوع من الأشجار المحلية، أصبح مصدر جذب سياحياً عالمياً. و«لغة الجواراني»– لغة السكان الأصليين اعترفت بها الباراغواي كلغة رسمية إلى جانب الإسبانية، لغة المُهاجرين، فتعزز السلام الداخلي. و«قيثارة» الباراغواي – موسيقاها المحلية، أَخّاذة، تسعى الحكومة لدى اليونسكو لإدراجها في قائمة التراث الإنساني. و«فن الشارع» صار«ماركة عالمية» يستقطب الفنانين والزوار.
الباراغواي صارت«خبيرة» تنمية بشرية وسياسية «جَمالية» محصلة لتجاربها، بالمعنى الذي يقول فيه الشِعر البارغوائي«بكل ما هو جديد مسحة من قِدم». تساوت بها أهمية عناصر ثقافة الشعوب الأصلية مع عناصر الثقافة الأسبانية. تَعلمت الباراغواي من شعوبها الأصلية نظاماً بشرياً دائب العمل بهدوء فائق وعلاقات إنسانية يكتنفها«الظرف» و«التقدير المتبادل» و«الود» و«الإِدراك» و«الأَدب» و«العطف» و«الحَذاقة» و«الفضائل الفطرية»، وخفض الأصوات والتلفظ بالعبارات الرقيقة عند الحديث ونبذ الشجار والعنف واستبدال الاحتكاكات بالتعاون. وتعلمت منهم فنون العمارة والخزف والتصوير والنقش وحياكة النسيج وصناعة المعادن وتركيبات الأدوية. والآباء اليسوعيون الإسبان القدماء، «المتحررون» «المعتدلون»، ذوو آراء متمدنة، استبدلوا سياسة الحرب بالسلام والإساءات بالإحسان والقسوة باللِين فتعاملوا بإنسانية ولطف وإنصاف مع الشعوب الأصلية فأقاموا نظام«الأخوّة الدولية العظيمة» وأزالوا المضايقات ومنحوهم الأمان وفرص التعليم والتثقيف والتطوير والعمل، وعَرّفوهم بالتشريعات وفنون الحياة المدنية، وأصبحت الكنيسة «مشروعاً تنموياً» يُقدم العَون. وهذا حقق وحدة الأمة الداخلية والسلامة القومية.
الباراغواي مُتمكّنة من تجسير العلاقة بين السياسة والطبيعة والفنون والتاريخ والتراث والاقتصاد كمتواليات نَغمية تتضافر في تكاملها. وطورت سياسة عامة عقلانية حَمتها من التصدعات، وتوحدت أطيافها الفكرية والعِرقية، فَنَمت فضاءات «الهدوء والسَكينة» وأصبح«المزاج الشعبي»– وهذا يشمل الحكومة – «تنموياً جَمالياً» يُفضي للسعادة.