لماذا انفجرت علاقة ترامب وماسك؟

00:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

أحمد مصطفى

في بداية فترة رئاسته الأولى، مطلع عام 2017، جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمهندس مدني كان رئيساً لشركة طاقة كبرى وعيّنه وزيراً للخارجية، ثم ما لبث أن أقاله بعد فترة بتغريدة على موقع تواصل، حتى من دون أن يكلف نفسه عناء إبلاغه بالقرار وهو في جولة في إفريقيا كقائد للدبلوماسية الأمريكية. كان ذلك ركس تيلرسون الذي لم يسبق له العمل في الحكومة من قبل.
حين فاز ترامب بانتخابات الرئاسة العام الماضي، بدا أن اختياراته لفريقه في فترة حكمه الحالية تختلف عن المرة السابقة. لكن الواضح أن ذلك التصور لم يكن دقيقاً تماماً، حتى رغم التجربة التي يفترض أن الرئيس خاضها في سنوات الحكم السابقة. فما لبث أن أقال مستشاره للأمن القومي، وهو من أرفع المناصب غير الوزارية في الإدارة.
لكن الأهم في كل الإدارة الجديدة كانت تلك العلاقة بين الرئيس ترامب والملياردير إيلون ماسك صاحب شركة «تيسلا» للسيارات الكهربائية وغيرها من شركات التكنولوجيا. بدأت العلاقة بحماس ماسك لحملة ترامب، وتقديمه الدعم المالي غير المسبوق للحملة، والذي أشاد به ترامب كثيراً. ثم اخترع الرئيس وزارة جديدة يتولاها ماسك في إدارته مهمّتها تقليص الجهاز البيروقراطي، وخفض ميزانيات الوزارات والإدارات والهيئات.
بدت العلاقة بين ترامب وماسك منطقية جداً في نظر الكثيرين، ومن تصريحاتهما العلنية ومنشوراتهما على مواقع التواصل خلص أغلب المراقبين إلى أنهما كما يقول المثل «فولة وانقسمت نصين». ووصل الأمر في بداية حكم ترامب مطلع هذا العام أن بعض المعلقين الأمريكيين كانوا يعتبرون إيلون ماسك هو الرئيس الفعلي للولايات المتحدة، وإن كان ترامب يشاركه المنصب.
يتشارك الرجلان في أمور كثيرة، من النرجسية وعنجهية الرأي اللتين لا يقبلان فيهما نقاشاً إلى خصال أخرى كثيرة. كما أن الاثنين يكّنان عداءً أصيلاً لما تسمى «المؤسسة»، أي جهاز الدولة البيروقراطي ودائرته الأوسع. كما أن كليهما جاء من خارج الطبقة السياسية والإدارية التقليدية، ويتصرفان كذلك بطريقة أقرب إلى «الانفعالية».
الأهم، أن ترامب وماسك مثّلا لقطاع واسع من الأمريكيين «البديلَ» الذي يتطلعون إليه في إدارة بلدهم غير النخبة السياسية وقيادات المال والأعمال التقليدية، لذا كانت دهشة البعض من هذا الشقاق بينهما الذي وصل إلى مستوى «الردح» وتبادل الاتهامات على مواقع التواصل.
ربما لا تذهب الدهشة بعيداً إذا راجعنا ما يجري في البيت الأبيض في الآونة الأخيرة. ليس فقط ما تنقله الصحافة ووسائل الإعلام عن معارضة ماسك مثلاً لاستراتيجية فرض التعريفة الجمركية، ولا حتى اعتراضه الأخير على الميزانية «الكبيرة الجميلة» كما يسميها ترامب.
فقد وصل الجدل بين ماسك وبعض أركان إدارة ترامب، خاصة الفريق الاقتصادي مثل هوارد لوتنيك وزير التجارة، وسكوت بيسنت وزير الخزانة، إلى الصياح والشتائم أحياناً في اجتماعات رسمية أمام الرئيس. وفي إحدى المرات تحوّل الجدل إلى عراك حقيقي، لم يتدخل فيه ترامب مدافعاً عن طرف، خاصة مع توقع ماسك أن يكون في صفّه ويؤنب بقية إدارته.
الحقيقة أنه لم يكن انفجار تلك العلاقة أمراً غير متوقع تماماً لعدة اعتبارات. أولاً تلك الأسباب التي جمعت بينهما، تحديداً الخصال المشتركة، كانت كفيلة بألا يستمرا معاً، لأن تلك الخصال المشتركة هي أحد أسباب توقع انفجار العلاقة، كما في الطبيعة تتجاذب أطراف المغناطيس المختلفة وتتنافر الأطراف المتشابهة.
لا شك أن ترامب ضاق ذرعاً بما يقال أحياناً عن أن ماسك له اليد العليا في الإشارة على الرئيس. كما أن تصريحات ماسك الطائشة أحياناً، سواء ضد أوروبا أو غيرها كانت تخطف الأضواء من انتقادات ترامب للأوروبيين أو غيرهم. ولأن كلا الرجلين مولع بأن يكون تحت «أضواء المشاهير» فالغلبة طبعاً ستكون للرئيس وليس لماسك.
ربما يرى البعض أن ذلك أمر يخص الولايات المتحدة، وأن تأثيره مهما اتسع نطاقه فلن يكون إلّا على سياساتها الداخلية وربما انتخاباتها القادمة أو انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد عامين. لكن الواقع أن انفجار تلك العلاقة يهمّ العالم كله، ليس فقط لأن الولايات المتحدة تظل القوة العظمى الوحيدة المؤثرة دولياً وأن ما يجري في قمة إدارتها بالتالي يؤثر في العالم، إنما أيضاً لأن انفجار تلك العلاقة بين رئيس من فصيل «المشاهير» وملياردير من الفصيل ذاته يكشف الكثير والكثير الذي يهمّ كثيرين خارج الولايات المتحدة.
وإذا كانت هناك من دروس مستفادة من تلك العلاقة بين ترامب وماسك وانفجارها الآن فيأتي في مقدمتها أن رئيس الدولة العظمى الوحيدة صعب الوثوق به. قد لا تكون تلك نقطة مهمة في دولة المؤسسات وحسابات المصالح على أساس ما هو معروف وتقليدي. إنما هذا رئيس يحكم بالأوامر التنفيذية أكثر من القرارات التي يقرّها البرلمان، على الرغم من أن حزبه يسيطر على مجلسَي الكونغرس. كما أنه في صدام دائم مع السلطة القضائية ومع الصحافة والإعلام.
أما أخطر استنتاج، فهو أن السياسة الأمريكية التقليدية، بين حزبين كبيرين: الجمهوري والديمقراطي، تكاد تكون انتهت. وعلينا الآن أن نتابع تجاذب الرئيس والملياردير.

[email protected]

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"