«ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين»

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

عمّان هادئة في الظهيرة هذا اليوم، والشاعر المفرد في ذاته يبحث عن أصدقائه القدامى في المدينة ذات الجبال السبعة، وكان له في كل جبل صديق، لكن أجمل الجبال وأقربها إلى قلبه جبل «الأشرفية» حيث كان يدرس الثانوية في مدرسة حسن البرقاوي، أكبر المدارس وتحمل اسم رجل علم وتربية وتعليم، بل ربما كان ذلك امتيازاً خاصّاً لمن يتعلم في المدرسة. هناك تعلم علم العروض، لأول مرّة يعرف الخليل بن أحمد الفراهيدي. كانت مناهج التعليم، آنذاك في وسط سبعينات القرن العشرين، تضمّ الفلسفة، وعلم المنطق، والأحياء، والتاريخ، التاريخ غير المزيّف على الأقل، والفلسفة ليست الثقيلة على الأقل، فليس مطلوباً آنذاك أن تعرف سارتر ولا كامو ولا الوجودية والعبث وفلسفة القلق. آنذاك، كان يكفي طالب الثانوية ذاك قلق الحب، قلق البنت الثانوية التي يلتقيها في ظلال بيوت الأشرفية، ولا مال لديه لكي يشتري لها زجاجة عطر. كان يكفي عطر شجرات الياسمين الذي عرفه أكثر على أسوار بيوت جبل اللويبدة. كان الياسمين يتدلّى بدلال فوق الأسوار بزهرة الأبيض الصغير، وفي ما بعد، عرف البنفسج و«ليه يا بنفسج، بتبهج، وانت زهر حزين» وَ«ليه انت حزين».
الظهيرة هادئة في عمّان، والتداعيات الشعرية مقبولة أحياناً في عمودك الصحفي، بخاصة حين تكون وحيداً، كالبنفسج.
يبحث الرجل الستيني عن محمد القيسي صاحب «رياح عز الدين القسام»، أوّل مجموعة شعرية فلسطينية تحمل هذا الاسم.
كان القيسي بشعره الطويل، وحقيبته الجلدية البنّية، ومشيته النشطة السريعة، من علامات السلط وسط العاصمة. شارع وسط البلد، وما أجمل وسط البلد. وإذا أردت أن تعرف مدينة، فاذهب إلى وسطها.
عمّان هادئة، وشارع السلط أكثر من هادئ. هنا سيبحث هذه المرة عن مقهى صغير كان يرتاده أشهر شاعر وناثر يلعب النرد، ويلعب الورق. لا أحد كان يباري رسمي أبو علي في الورق. كان شاعر رصيف أولاً في بيروت هو ونصف برتقالته علي فودة، الشاعر الذئب. مات الذئب على أحد أرصفة بيروت بطلقة جندي إسرائيلي في حصار بيروت في 1983، وعلى الجهة المقابلة لرصيف علي فودة، مات غسان كنفاني بعبوة ناسفة.
عمان هادئة، ومن أجمل خصائص اللغة العربية تداعياتها وانثيالاتها حين يلجأ الصحفي إلى كتابة نهرية من هذا النوع، وها هو هذه المرة يبحث عن إلياس سعيد، ابن كفر قدّوم، شاعر طويل القامة، وطويل الصبر والضحك والسخرية، وذات يوم وارى التراب جسد محمد طملية، ولم تسقط دمعة واحدة من عينيه، كان إلياس يعرف أنه يواري نفسه.
لا أحد يلعب النرد، ولا أحد يلعب الورق في مقهى «السنترال». لا أحد في مطعم «النيروز»، و«الأنكل سام» أغلق أبوابه بعد سبعين عاماً من الجلوس بالقرب من الرصيف في الدوّار الثالث في جبل عمّان، جبل الياسمين أيضاً. «ليه يا بنفسج..».
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"