هل تعرف إعدادية أو ثانوية أو جامعة عربية، تُدرّس الأدب الساخر؟ هل سمعت بمعهد إعلام أو مدرسة صحافة، في مقرّرها الصحافة الساخرة، لا لمجرد العلم بوجود هذا النوع من الكتابة، وإنما كمنهج للإعداد والتأهيل؟ جواب السؤال الأخير سهل: ولماذا نضيع الوقت في تعليم شيء هو في الواقع العربي غول أو عنقاء؟
ثمّة مفارقات قرونية في الذهنية، فمسمّى الأدب الساخر لغتنا حديثة العهد به. لقد كان منذ الجاهلية، شديد الامتزاج بالهجاء، السيّئ السمعة اجتماعياً، وله تاريخ طويل في سفك الدماء. من هنا يجب الانطلاق نحو علّة عدم تقبّل الذهنية العربية للنقد. خذ مثلاً أبا حيّان التوحيدي، في كتابه «مثالب الوزيرين»، بينما فيه ألوان من الدعابة عن الصاحب بن عباد وابن العميد. المثالب أخت الهجاء. وما دام النقد المبطن بأساليب «الشرشحة» غير مقبول، فإن كفّة الفكاهة والطرائف واللطائف والنوادر، كانت هي الراجحة على مرّ العصور العربية، حتى أوائل القرن العشرين، الذي انتشرت فيه بدائع من الصحافة والأدب الساخرين، لكن سرعان ما حدث انقلاب ثقافي حصد الكتابات الساخرة في كل بلاد العرب.
هل خطر ببالك أن العقود التي ازدهرت فيها الصحافة الساخرة، في العالم العربي، كانت هي ذاتها التي بلغت فيها الموسيقى العربية أوج إبداعها؟ هي نفسها عقود تألق الفكر والأدب والفنون المسرحية والكاريكاتور والشعر وهلم إبداعاً. بعد ذلك بلع الفن إبداعه، أقلعت سماء التجديد، وكأن العرب لم يخافوا الأفول، ولم يصرّوا على استئناف الإبداع. اختفاء الأدب والصحافة الساخرين من الخريطة العربية، في نظر القلم، مُلك مضاع لم يحافظ عليه المثقفون. حذارِ فانعدامه دليل على أعراض وأمراض. هل يُعقل أن النخب الثقافية لا تحرك ساكناً إزاء الانهيارات الفنية؟ مأساة أن تتردى الفنون الكوميدية إلى مستوى التهريج. بصراحة، لا استثناء عربياً.
حصاد الكلام، ضرورة إعادة الاعتبار إلى الكتابة الساخرة في مواطنها الأولى، مصر، سوريا، لبنان، المغرب العربي، لأن الخميرة القديمة موجودة، وقطعاً ستنتشر في كل الوطن العربي. ما المانع من أن يدخل الأدب الساخر المناهج لترسيخ الإحساس بجمال العربية؟ الأروع الاستعانة بنصوص الأدب العالمي أيضاً. على الرغم من أن تاريخنا له التاج والصولجان في رائعتي المعري: «رسالة الغفران» و«رسالة الصاهل والشاحج»، فكل روائع السخرية العالمية وراء أبي العلاء بمسافات.
لزوم ما يلزم: النتيجة اليونانية: الفيلسوف يوجين الكلبي، قال عن أفلاطون: «من هذا الفيلسوف الذي لم ينتقد أحداً».
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







