قبل نحو شهرين، نشر الصحفي الكولومبي هيرناندو ألفاريز المقيم في لندن ويتولى رئاسة تحرير قسم أمريكا اللاتينية في إذاعة «بي.بي. سي» تقريراً عن قائمة كتبها له بخط يده مواطنه الروائي غابرييل ماركيز، في لقاء جمعهما في أحد أيام شهر إبريل/ نيسان من عام 1995، وقال، إنه احتفظ بتلك القائمة في منزله قرابة ثلاثين عاماً، مشيراً إلى أنها تظهر جهله التام «مقابل الكاريزما والكرم والتواضع، التي يتمتع بها الكاتب الكولومبي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب».
شكا ألفاريز الذي كان يومها صحفياً شاباً، لماركيز ضجره من قراءة الأعمال الأدبية الكلاسيكية، فلم يتمكن من قراءة أيّ منها، فأجابه ماركيز أنه كان في شبابه مثله، ينظر إلى الكلاسيكيات بازدراء، حتى أخبره أحد معلميه أنه لن يصبح كاتباً عظيماً أبداً إذا لم يكن يعرف الكلاسيكيات اليونانية، قبل أن يضيف أنه عندما اكتشف تلك الأعمال، وقع في حبها، طالباً من محدثه الشاب أن يبذل جهداً للتغلب على الملل الذي ولّدته اللغة القديمة بداخله، والتركيز على القصص الرائعة التي ترويها.
هنا قال ألفاريز لماركيز: «لو أني طلبت منك إعداد قائمة بالكلاسيكيات الأساسية، التي تنصح بقراءتها، فما هي تلك التي ستدرجها؟»، فأجابه بحماس وهو يفتح بسرعة دفتر ملاحظات: «دعنا نعدّ القائمة». وبدأ في كتابة قائمة حوت 16 رقماً، لكنها تضمنت 15 عنواناً فقط، لأن الرقم 16 بقي فارغاً دون اسم كتاب، ومن الكتب التي شملتها القائمة: «الكتاب المقدس»، «ألف ليلة وليلة»، «الأوديسة»، «أوديب»، «الكوميديا الإلهية»، «دون كيشوت»، «الفردوس المقدّس»، «شعر العصر الذهبي الإسباني»، «الروايات التاريخية للفتوحات الإسبانية في الأمريكتين».
على صلةٍ بهذه القائمة، فإنه يمكن معرفة الكتب التي أثرت قراءتها في وعي وكتابة ماركيز من خلال المقابلات التي أجريت معه، أو من خلال مذكراته وبعض كتبه، فهو، على سبيل المثال، أشار غير مرة إلى تأثره ببنية الحكايات المتداخلة والخيال الواسع في «ألف ليلة وليلة»، وكان يرى فيها مثالاً على السرد المتحرر من الحدود، فيما علّمه غوستاف فلوبير في روايته «مدام بوفاري» كيف يكتب بدقة، وكان يرى فيه أستاذاً حقيقياً في الأسلوب والواقعية، وقال أيضاً، إن روايته «مئة عام من العزلة» لم تكن ممكنة لولا قراءته لرواية «الصخب والعنف» لوليم فوكنر. وعن رواية «التحوّل» لفرانز كافكا قال إنه بعد قراءته الجملة الأولى منها والقائلة: «استيقظ غريغور سامسا ذات صباح ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة ضخمة»، أدرك أن كل شيء ممكن في الكتابة.
تعلّم ماركيز أيضاً من بورخيس فهم بنية الحكاية والفانتازيا، ومن همنغواي الاقتصاد في اللغة وقوة الجملة القصيرة، وتأثر بالكوبي خوسيه مارتي سياسياً وأدبياً.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







