علي قباجة
لم تتقبل الولايات المتحدة مطلقاً تصاعد النمو الصيني في المجالات كافة ووصولها إلى مكانة تمكنها من أن تكون نداً قوياً لها عالمياً وقطباً معتبراً يزاحمها، اقتصادياً وسياسياً على النفوذ العالمي، إضافة إلى قوتها العسكرية الضخمة وترسانتها المحدثة التي تنافس بها التكنولوجيا الغربية قاطبة.
الصين لها بصمتها شرقاً وغرباً وخلال العقود الماضية استطاعت الولوج إلى معظم الأسواق العالمية وفتح قنوات لشراكات استراتيجية مع حكومات دول في القارات كلها وقد تميزت بكين بأسلوبها الناعم، بحيث تكون علاقاتها مبنية على المنفعة المتبادلة، إذ يستفيد منها الطرفان، دون فرض أو إجبار وبشكل متساو وهذا ما شجع العديد من الدول إلى إدخالها عتبتها، خصوصاً أن هذه السياسة مناقضة تماماً لأسلوب الغرب القائم بالمجمل على التنظير وفرض الرؤى واعتبار أن الانتفاع من ثروات الآخرين حق مكتسب، إضافة إلى إرثه الاستعماري المنفر.
المكانة الصينية عالمياً أثارت ريبة أمريكا، ورأت أن «التنين» قد وجد لنفسه مكاناً بين الكبار بل قد تجاوزهم، لذا فإنها تعد منذ سنوات للصراع معها وترى أن مواجهتها على الصعد كافة ضرورة لإضعافها وتثبيطها، تمثل أولوية في المرحلة المقبلة، لذا فإن توجه ترامب لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، قد يكون في هذا الإطار، إذ تسعى واشنطن إلى التفرغ للصراع مع الصين ومحاولة عدم بعثرة الجهود في حرب لا مصلحة لها فيها حالياً، وذلك لأمرين، أن روسيا راهناً لا تمثل تهديداً استراتيجياً لها، في ظل استنزافها لسنوات في الحرب الأوكرانية عسكرياً واقتصادياً والأمر الثاني أن أوروبا تشكل حائط صد لها أمام أي تفكير روسي بالتوسع، في ظل اعتزام القارة تعزيز قوتها، ورفع إنفاقها العسكري، وتقوية جيوشها والبقاء على أهبة الاستعداد.
وليس مستغرباً أن تحييد نفوذ الصين هو الملف المشترك شبه الوحيد الذي تتفق عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية وثمة ممارسات أمريكية ملموسة لصد بكين، منها الحرب التجارية الشعواء التي تشنها عليها، إضافة إلى نبش الصراعات بالقرب منها في بحر الصين الجنوبي وإمداد تايوان عسكرياً وتنمية الشراكات مع حلفائها في المنطقة لإضعاف بكين وهو ما يدفع الأمور إلى حافة الهاوية بمواجهة عسكرية في حال حدوث خطأ غير محسوب.
لكن الصين تسير وفق مبدأ النفس الطويل، فهي تسعى لتحقيق أهدافها بروية وأهم ما تطمح إليه هو أخذ مكانتها التي تستحقها، خصوصاً أنها قوة يعتد بها تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً وترى أن قوتها الناعمة نتائجها أجدى من أي مواجهة مباشرة، لذا فإن معظم خطاباتها تجنح للسلم، لكن ذلك لا يمنع من قلب الطاولة على من يريد المساس بها، وهذا ما يخشاه العالم.