عندما يصل الإنسان إلى مرحلة التقاعد، يُفترض أن تبدأ معها حياة أكثر استقراراً وطمأنينة، يرتاح فيها بعد سنوات طويلة من العمل، لكن الواقع يشهد أن كثيراً من المتقاعدين يعيشون تحت ضغط الديون والالتزامات المالية، وكأن التقاعد لم يأتِ بالهدوء، بل حمل معه عبئاً جديداً في هذه المرحلة الحساسة من العمر.
يتشكل هذا العبء قبل التقاعد بسنوات، حين يلجأ البعض إلى قروض شخصية أو عقارية أو تمويل سيارات، بنسب خصم شهرية من الراتب تصل إلى 30 أو 40٪، ومع أنها ضمن الأنظمة المعتمدة، إلا أنها لا تأخذ بعين الاعتبار أن دخل الموظف سيتغير جذرياً بعد التقاعد، وهنا تتفاقم الأزمة، فتقفز نسبة الخصم إلى مستويات مرتفعة قد تصل في بعض الحالات إلى 60 أو 70٪، وربما أكثر، مما يشكّل عبئاً مالياً كبيراً على المتقاعد.
هذا ما يدفع كثيراً من المتقاعدين إلى الدخول في دوامة إعادة جدولة القروض، أو تحويل القرض إلى بنك آخر، أو توقيع التزامات جديدة، فقط ليحتفظ بأكبر جزء ممكن من معاشه، يتمكن به من تغطية أساسيات الحياة.
لكن السؤال الذي ينبغي طرحه بوضوح، على من تقع المسؤولية في هذا الخلل؟
من وجهة نظري، تتحمل البنوك جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية، عندما تُقرض دون مراعاة لسنوات الخدمة المتبقية، فمن غير المنطقي أن يُمنح موظف بقي له خمس سنوات على التقاعد قرضاً مدته عشر سنوات.
ولهذا، يجب أن تتدخل الجهات المختصة لإصدار تعليمات تُلزم البنوك بربط القروض بعدد سنوات الخدمة المتبقية، بحيث يخرج الموظف إلى التقاعد وقد أنهى جميع التزاماته المالية، وإذا خالف أي بنك هذه التعليمات، فعليه تحمّل المسؤولية كاملة، فالتقاعد يجب أن يكون محطة راحة وطمأنينة، لا مرحلة مطاردة من أقساط وقروض لا ترحم.
كما نُذكّر بأن هناك أيضاً شريحة من المتقاعدين الحاليين ما زالت تعاني ضغوط القروض، وهم أَولى بالمراعاة، إذ هم في أمسّ الحاجة إلى حلول عاجلة تخفف عنهم هذا العبء المتراكم، ونأمل من البنوك، انطلاقاً من مسؤوليتها المجتمعية، أن تعيد النظر في أوضاعهم، من خلال إجراءات إنسانية تراعي ظروفهم، سواء بإلغاء الفوائد أو الإعفاء من بعض القروض بشروط ميسّرة.
وهناك أيضاً اقتراح لصندوق التقاعد بإعداد برامج مخصصة للموظفين الذين أكملوا 20 سنة وما فوق من الخدمة، بهدف تهيئتهم نفسياً ومالياً لمرحلة ما بعد التقاعد، وتقديم بدائل عملية مثل فرص الاستثمار أو العمل الحر، حتى لا يُفاجأ الموظف بالتقاعد وهو غير مستعد له.
في النهاية، الاهتمام بهذا الملف سينعكس بشكل مباشر على راحة المتقاعد واستقراره، ويجعل من سنوات التقاعد مرحلة حقيقية للسكينة والطمأنينة، كما يجب أن تكون.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







