عثمان حسن
الفنون بوصفها مرايا عاكسة لقيم ومعتقدات المجتمع، هي من دون شك تشكل نافذة مهمة للتعريف بقيم وعناصر الهويات الثقافية لمختلف الشعوب والأمم، وفي الزمن المعاصر الذي نعيشه اليوم، سهلت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من طرق وأساليب التعريف بالفنون المختلفة من شتى بقاع الدنيا، فنحن على سبيل المثال، لم نكن نعرف منذ سنوات مضت الكثير عن فنون إفريقيا أو القارة السمراء، وأيضاً الكثير من الفنون الآسيوية التي كانت حبيسة النظرة التقليدية للمؤرخين الفننين، وأنها لا تتجاوز المنجز النحتي أو التقليدي الغارق في الطلاسم والتعاويذ، وقد أسهمت ابتكارات التكنولوجيا المتقدمة في تسليط الضوء على هذه الفنون، وعرفت العالم بجوانب مختلفة منها، بعد أن نبذها التاريخ في أقاصي ومجاهيل الأرض.
صارت الفنون في متناول الجميع، وباتت تدهش المتلقين أو المشاهدين بقوة ما فيها من تعبيرات إبداعية بعد أن حضرت في البيناليات والمعارض الدولية المختلفة، وباتت هذه الفنون إلى جانب المنجز الثقافي المقروء أو المكتوب (الرواية) على سبيل المثال، حاضرة في المشهد الثقافي المعاصر، من خلال قامات أدبية وفنية كبيرة.
النموذج الفني الإفريقي المعاصر-على سبيل المثال- هو فضاء مدهش، حيث يتحول التراث من خلاله إلى حداثة، والهشاشة تتحول إلى قوة، وقد أصبحت فنون القارة السمراء إلى جانب الروايات المعاصرة التي يكتبها عدد كبير من أدباء هذه القارة مثالاً حياً على تنوع الأساليب والمواضيع التي تعكس هويات مختلفة ومتنوعة في جانبها الإنساني.
وبمثل ما قدمت الرواية الإفريقية هموم الإنسان الإفريقي وسلطت الضوء على ترسبات الثقافة التي تركها المستعمر في القارة السمراء، ولعبت على التاريخ والتراث الشفهي الذي يخصها، ونجحت في أخذ مكانها اللائق في الرواية العالمية، كذلك هي الفنون على تنوع أساليبها وما تطرحه من موضوعات وهُويّات، كما هو لدى الفنان النيجيري إل أناتسوي الذي يقدم من خلال مشاركته في البيناليات الدولية منحوتات معدنية ضخمة فيحول المواد البسيطة إلى أغطية جدارية ترمز إلى التراث الإفريقي وكما هو لدى الجنوب إفريقية ماري سيبوكو بمنحوتاتها وتركيباتها التي تستخدم الأزياء والفن الأدائي، وعند الكيني ونجيتشي موتو الذي يقدم في أعماله كولاجات رقمية ومنحوتات وأعمال فيديو آرت تمزج بين التشريح البشري، والحيواني والنباتي لنقد استغلال الجسد الأنثوي ونقد الاستعمار.
تطول القائمة، فنتحدث عن أعمال ورسومات تعيد تعريف الهوية،
وتكشف عن دور الأفراد في التفاعل مع تقاليدهم وهوياتهم الثقافية بعين أخرى منفتحة على الفضاء الثقافي والفني العالمي.
[email protected]