للحروب أهداف أخرى

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

أهداف الحروب متعددة، تختلف من معركة لأخرى، والمتأمل للتاريخ يدرك أنّ لكل حربٍ اندلعت أسباباً وأهدافاً غالباً ما تختلف عن أسباب وأهداف غيرها، ورغم ذلك فإن المُشعلين لأي حرب يروّجون أنها «دفاع عن النفس»، رغم أننا جميعاً نعي أن أي حرب فيها طرف يعتدي وطرف يقاوم، وقد تؤدي مجريات الحرب إلى تبدل الأهداف، ليتحوّل المهاجم إلى مدافع.
الجغرافيا هدف رئيسي للحروب، وخلالها تستهدف الأطراف المتصارعة تغيير الجغرافيا وزحزحة الحدود وتبديل الانتماءات، ويستهدف كل طرف تدمير قدرة عدوه على القتال وتعجيزه اقتصادياً ومحاصرته سياسياً، ونشر الفتنة في ربوعه اجتماعياً، ولكنّ وراء الأهداف المعلنة لكل حرب أهدافاً أخرى غير متداولة إعلامياً، ابتداءً من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ونهب ثروات الآخر واحتلال أرضه، والتحكم في مياهه وأجوائه، ونشر أيديولوجيات فكرية وسياسية معينة بين شعبه وفرض أحد الموالين رئيساً والتحكم في قراره، وتفخيخ تحالفاته الاستراتيجية، وغير ذلك الكثير من الأهداف التي تصل إلى حدّ تغيير مزاج شعبه، وتبديل أولوياته، والتحكم في أفكاره.
نهايات الحروب لا تحددها القدرات العسكرية دائماً، ولكن غالباً ما يتم التوافق عليها بالمفاوضات الدبلوماسية، ففي زمن حروب المسيّرات والتقنيات الجديدة، وتهميش مهارات الجنود وقدرات الجيوش أصبحت الحروب تطول وتطول، تخرّب وتدمّر وتقتل من دون حسم، ويظل كلٌّ من طرفي (أو أطراف) المعركة ينسب لنفسه سحق الآخر، وتحقيق الإنجازات، متباهياً بعدد من قتل وما خرّب ودمّر ونسف واحتلّ، ولكن لا يستطيع أي طرف إعلان انتصاره على الآخر، ووقف إطلاق النار ووضع نهاية للمعركة، ومهما طال أمد الحروب لا تتوقف إلا بتحكيم العقل والجلوس على طاولات التفاوض للوصول إلى قرار التوقف.
نزع سلاح العدو من الأهداف الاستراتيجية لكل حرب، فكل طرف يريد أن يجعل الآخر بلا أي قدرات على الدفاع عن نفسه أو مقاومة جموح الآخر، والغريب أن مطلب نزع السلاح الذي أصبح أكثر تداولاً في الإعلام العالمي وقاعات التفاوض يسعى لفرضه الطرف الأقوى وهو يستقبل أحدث المقاتلات والقاذفات والآليات العسكرية بشكل مستمر، وكأنه يريد أن ينزع مخالب عدوه من جذورها، ورغم كثرة المطالبات بنزع السلاح فإن السلاح يتدفق على كل راغب فيه وقادر على شرائه بطرق شرعية وغير شرعية، والتدفق يأتي غالباً من الداعمين الحريصين على إطالة أمد الحرب وزيادة القتلى والنازحين واللاجئين، ومن الحريصين على استمرار مصانع السلاح في العمل وتحقيق الأرباح الخيالية، وكأن الحروب أصبحت ضرورة في هذا العالم، حتى يظل القوي قوياً والغني غنياً والفقير معدماً.
رغم أن الطريق الأوحد لوقف الحروب المندلعة في أكثر من منطقة حول العالم هو التفاوض، فإن أبوابه مفتوحة للاستهلاك الإعلامي والتخدير السياسي، مغلقة أمام وضع حلول حقيقية، وكلما لاح في الأفق أمل بمبادرة لوقف هذه الحرب أو تلك وتم الإعلان عن اقتراب التوصل إلى حل، سرعان ما يتم اغتيال الأمل، والإعلان عن خلافات جديدة وقديمة متجددة تعيق الاتفاق، وهو ما لمسه العالم كله بشأن الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة، والسبب وراء استمرار هذه الحروب والصراعات هو أنّ أياً منها لم يحقق أهدافه لا المعلنة ولا الخفية، ولم ينجح أيّ طرف في تحقيق انتصار متكامل، رغم ما لحق بهذه الدول من دمار وخراب..
الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا تقترب من 40 شهراً، ولم تحقق روسيا خلالها ما يضمن حماية أمنها القومي ويوقف تمدد حلف الناتو، وأوكرانيا ومعها الداعمون الغربيون والولايات المتحدة لم تستعدْ أراضيها التي ضمّتها روسيا منذ 2014، ولم تقلّمْ أظافر روسيا ولا أضعفتها لا اقتصادياً ولا عسكرياً، ولا خلخلت نظامها السياسي.
الحرب الإسرائيلية على غزة تختلف عن أي حرب أخرى، بدأت باسم الدفاع عن النفس واستعادة الرهائن وتأديب حماس، ثم اتضح أن أهدافها أبعد من ذلك، فالهدف الأساسي هو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وإخلاء القطاع من أهله تمهيداً لتهجير أهل الضفة، والاستيلاء على كامل أرض فلسطين كمرحلة في طريق تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، ومن أهدافها الأخرى تأمين مستقبل نتنياهو السياسي، والحفاظ على حكومته، ومساعدته على الإفلات من استكمال محاكماته، وضمان استمرار سيطرة اليمين على الحكم، وليس مستبعداً استمرار هذه الحرب مهما بلغ عدد ضحاياها ما دام الفلسطينيون يتشبّثون بأرضهم وحقوقهم المشروعة، ويساعد في ذلك استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"